قصة قصيرة
جانبان .. وركام
عمت الفوضى مدينتها .. جعجعة ، صياح ، زعيق ، حوارات سياسية فارغة ، اغان فجة ، والله الذي يوزع النعم والشقاء بالتساوي ، واقع ضيق وعالم بلا حدود ، حسن نوايا بأتخاذ الشك عقيدة ، جبناء فوق منابر من بلور ، واخرون يفلسفون الشجاعة ليتجاوزوا جبنهم ، قتلة يبحثون عن الاجور ، وبراعة في تفسير الهراء .دائما ما كانت تقول
لحكم من نكون نحن !؟ ومن اين جئنا !؟
الفوضى ازدحمت فوق الجسر وهي تحته التزمت الصمت ..
تهذي بكلمات لم تجد لها تفسيرا يوما .
اخبرها زوجها مرة :
- انتِ تعيشين على اصابعك ورأسك !!
حاولي ان تخرجي من تلك الحفرة وان تحفري حفرة حقيقية بدل ظلالها !؟
:- اية حفرة حبيبي انقلبت مدينتي ، لاتعرف سوى صنع الدمار والحروب ، الخوف سكن دروبها حتى طعم الورد تغير فيها ، هل تصدق ان شرفتي تزاحمت فيها الصور ، وقاتل في وطني لا يراها سوى القمر ونجوم بكماء !! ولا تنسَ هناك الله الغفور الرحيم الذي سيغفر للتائبين . حبيبي اننا نلعب في الحياة !
:- من الذي يلعب بالحياة !؟ اننا ملعوب بنا .. لذلك عليك اطلاق النار على الموت ان داهمك الخطر انت واولادي !
:- انا انا اتدرب على الموت !!؟
:- نعم لتحيطك الخصوبة وتنعمي في الحياة !
استطاع الزوج بعد محاولات عدة ونقاشات ان يقنع الزوجة في التدريب على السلاح ...
وكان مشوارهم شبه يومي الى تلك المزرعة التي طالما حلموا ان يبنوا فيها لهم بيتا بعيدا عن صخب المدينة ..
امتلأت ارضها الخضراء بالرصاص بدل الزهور ..
اصبحت بارعة بالتصويب والمواجهة .. اطمإن الزوج عليها ومنح روحه السلام .. وغادرها الى رحلات عمله المضنية لتوفير حياة افضل لهم كان يتركهم احيانا لاسابيع طويلة .. وتغادر انوثتها معه في انتظار عودة جديدة .. لتتحول بعده الى رجل البيت .. ورجل الصيانة ومشغل مولده الطاقة وطبيب ومعلم وادوارا كثيرة لا عد لها .. كانت بارعة في كل شي .. جميلة ،انيقة ، رقيقة تحرص كثيرا ان تكون بابهى صورة حتى لو كانت في البيت ومعها الاولاد فقط .
كان صمتها معلقا برائحة الخوف ، وفنجان قهوتها شاخت به الايام ، صمتها كان صراخا وهمسها نحيبا .. كل الكائنات تبوح خلجاتها ، الا هي التزمت الصمت ..
واصبح المسدس لا يفارق حقيبتها وسيارتها حين تخرج .. حتى مفارز التفتيش التي تحيط بمدينتها لم يفكر حراسها ان يصادروا منها السلاح ، بل كانت تسمع اروع كلمات الاطراء
- حيا الله نساءنا الشجاعات ، انتن فخرنا ، وعزنا ......
كم كانت تشعر بالزهو والشموخ حين تسمع كل هذا الاطراء منهم وتزداد شجاعة وانامل لا تفارق المسدس وعلى استعداد كامل للمواجهة ان شعرت باي خطر قادم حتى لو مجرد شك . كيف لا تفعل ان كان الدافع هو الشرف هذا هو اكثر ما كان يؤرقها في مدينة كثر فيها العبث والموت .
اخبرت زوجها مره في احدى حواراتها التي لاتنتهي
- حبيبي لماذا الامام لاينتهي !؟
ضحك من كلامها وهو العالم بفلسفتها للامور ودائما ما كانت تبحث عن اجابات حتى لو كانت اسئلتها مبهمة ..
- حبيبتي ان الامام لا ينتهي ! لانه ببساطة غير موجود ! وليس لانك لم تصلي اليه ، هناك جانبان وركام !
- حقا حبيبي اننا ملعوب بنا ! ولسنا اللاعبين في هذه الحياة .
عاد زوجها من احد رحلات عمله وطلب منها احضار المسدس كي يعمل له الصيانه
- حبيبتي اجلبي لي المسدس كي اقوم على ادامته وتزيته
- حاضر حبيبي خذه
- ما هذا اين الرصاصات الباقيات لم اجد سوى واحدة !؟ هل اضطررت لاستخدامها ايتها الشجاعة ، اخبريني بالله عليك ماذا حدث في غيابي !؟
- افرغت المسدس من الرصاص وابقيت على واحدة ! اضعها في رأسي في حال تم الاعتداء علي !
لا استطيع ان اطلق النار على الموت !
ساطلق النار على الخصوبة ...
منى الصراف / بغداد
إرسال تعليق
إرسال تعليق