دور حضرموت في نشر الاسلام في ممالك الهند الصينية
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ د.صالح العطوان الحيالي
منذ القرن الأول للهجرة يخرج المسلمون العرب من مدارج صباهم ومنابت اصولهم الى ممالك الهند الصينية اما سعيا وراء الرزق وممارسة التجارة او بحثا عن اوطان أمنة هربا من جور الحكام في وطنهم الام، كان من بينهم جمع من الاسرالعلوية الذين وجدوا في بلاد المهجر فرصتهم الذهبية في نشر العقيدة الاسلامية، بعد ان وصلوا اليها عبر اسفار محفوفة بالمخاطر والاهوال التي تفرزها ظروف البحر .
خرجت التيارات الاسلامية الكبرى التي حملت الاسلام الى اقطار الهند الصينية من قبل المغامرين من التجار العرب في سفن شراعية كانت تمخر عباب البحار منذ اقدم العصور مستهلة رحلتها من ميناء قاليقوط على الساحل الغربي لشبه القارة الهندية، اكبر مركز تجمع للمراكب القادمة من مواني الشرق الاوسط، كعدن في اليمن ومسقط في عمان ومكلا في حضرموت او من احد مواني خليج البصرة. حيث كانت المراكب الشراعية تبحر عادة عبر مضيق سرنديب – سري لنكا - في فصل الخريف مستفيدة من الرياح الموسمية في شهري سبتمبر و اكتوبر التي كانت تجرف هذه السفن شهورا عديدة حتى تصل بها الى جزر سومطرة وجاوا في سفر شاق طويل، بعدها تواصل سيرها الحثيث باتجاه الشمال حتى تنتهي اخر المطاف في كانتون الميناء الجنوبي للصين.
لقد ثقل تاريخ حضرموت بكثرة الاحداث، وبسبب عدم توفر الدراسات الاثرية الكافية، غاب نصيبها من التدوين. رغم ذلك كله كانت فيها نوعا من الحياة البسيطة الهادئة، فبفضل الامطار الدائمية كانت اراضيها دائمة الخضرة عامرة بمزارع الخضر وبساتين الثمر، لكنها تصحرت تدريجيا بعد ان تعرضت الى الجفاف الدائم بفعل انحسار الجليد في اوربا قبل اكثر من عشرة الاف سنة .
لقد تظافرت الاسباب من ضائقات اقتصادية ومنازعات داخلية مما ادت الى وقوع حضرموت فريسة للاحتلال الحبشي والفارسي. مع ذلك بقي فيها بعضا من نظم اجتماعية متحضرة، ارقى من تلك التي كانت سائدة في مجتمعات القبيلة التي كان اهلها يسكنون الخيام ويعيشون على رعي الانعام.
جاء الاسلام فكانت له في حضرموت نفس المئاثر التي تركها في المناطق الاخرى في مجال الحياة العقلية، فحل التوحيد محل الوثنية، والمعايير الدينية محل العصبيات القبلية الضيقة الموروثة من المفاهيم الجاهلية وانتشرت علوم اللغة العربية واتخذت اداب الجاهلية كالشعر والخطابة رونقا جديدا .
لم يكن تاريخ هجرة الحضارمة الى الخارج تاريخ حديث انما كانت بوادرها قد ظهرت منذ زمن الخلافة الراشدة، فقد تركوا بلادهم تحت راية الاسلام جنودا واشتركوا في حروب الروم والفرس فحضروا اليرموك والقادسية، كما كانوا ضمن الجيش الاسلامي الذي فتح مصر في عهد الخليفة عمر بن الخطاب (رض) بعدها توالت هجراتهم الى اوطان بعيدة بحثا عن سبل العيش. وشواهد قبورهم التي ما زالت باقية الى الوقت الحاضر خير شاهد على ما اقول. فسواء كان الحضارمة رحالة او تجارا او جنودا، الا انهم وبقية المهاجرين من بلاد العرب قاموا في نشر الاسلام حيثما حلوا واينما ذهبوا بصورة سلمية متسمة دعوتهم بروح الاخاء والمحبة: ونظرا لقرب المناطق الساحلية الشرقية للقارة الافريقية مثل كينيا والحبشة والصومال وزنجبار وتنجانيقا ومدغشقر الى مضيق باب المندب، فقد ابحر اليها المسلمون والتجار مهاجرين بأتجاه الغرب من ميناء عدن في اليمن. بينما الذين هاجروا بأتجاه الشرق بدوا الابحار من ميناء مكلا في حضرموت وحلوا في الجانب الكبير من شبه القارة الهندية، وفي جزر جنوب اسيا وسيلان و تايلند، حتى وصلوا الى اندونيسيا والملايو والصين وجزر الفلبين في المحيط الهادئ واستقروا فيها، وكان لهم في كثير من هذه الاقطار ثروة ونفوذ وسلطان.
جغرافيا تتكون حضرموت من وادي طويل يمتد بين ضفتين من الجبال الشاهقة. ومن زارها في القرن العشرين، راى ان سيئون كانت تقبع في وسط هذا الوادي كمدينة اختفت في مجاهل التاريخ، اما شيبان وتريم فهما مدينتان خرافيتان تقعان وسط واحات كبيرة من النخيل، تتناثر فيهما ناطحات سحاب من الطين، اما عن قرية غراف فحدث ولا حرج فهي توحي لك بالوهم وتحسك بعزلة قاتلة تنسيك الواقع الذي تعيشه، فهي تقع في لا شئ وليس فيها ما يربطك بالعالم الذي نعرفه. واذا شئت ان ترى الوادي الاخر عليك ان تطرق مسالك محفوفة بالمخاطر حتى تصل الى كهوف وبيوت طينية واطئة تبدوا وكانها واحة باهتة في فصل الجفاف، كل شئ في سيئون مصنوع من الطين، فلا حجر ولا اسمنت، كما ان هناك وادي اخر مكتظ بواحات النخيل تحيط بمدينة تريم وهي قلعة محاطة بسور من الطين وفي داخلها توجد اسوار طينية كثيرة تحيط حول بيوت الاغنياء. واحيانا يتجمهر الناس امام المدخل يطلقون الرصاص في الهواء ابتهاجا لقدوم الصيادين الذين رفعوا رؤوس الغزلان المصطادة فوق حرابهم. وعندما تتقدم اكثر الى الداخل تواجهك المقابر مصفوفة وكانها قطع اثرية داخل متحف.
ومما يثير الدهشة كثرة الماذن، ففي مدينة تريم الصغيرة وحدها كانت 365 ماذنة، فاغنياء حضرموت كانوا ينذرون ببناء ماذنة بعد موتهم – لا مستوصف ولا مدرسة – وقد اتفق ان عدد الماذن في ذلك اليوم كان مساويا مع عدد ايام السنة.
واذا دعيت الى دار احدهم من الاغنياء، دهشت لما تشاهد عنده من مظاهر الترف، فالباب الخارجية لبت له من سنغافورة واثاث الحديقة من جزر الملايو، كل شئ باللون الاخضر وكانك في غابة استوائية، وعلى المائدة الطويلة اصطفت انواع الطعام والشراب وكانك في قصر احد سلاطين ماليزيا، كما زينت جدران الدار بنقوش فنية زاهية ذات طابع عربي انيق جميل.
اما مكلا، المدينة الساحلية فهي تعج دوما بالبشر، وقد يصادفك جنود يستقبلون المراكب الشراعية ساحبة ورائها زوارق صغيرة غارقة وقد تمزقت بفعل المد، قادمة باتجاه الساحل الذي ملئ باسماك ملونة، تركها المد قبل ان يرحل، تلتهمها السلاحف الكبيرة التي زخر بها الشاطئ.
من مكلا ابحر الحضارمة الى العالم الخارجي، ليعملوا في اوطان غير وطنهم ويجمعوا ثروات ويبنوا امجاد ويندمجوا بثقافات امم اخرى، يثبتوا فيها قدراتهم على العمل المفيد، علما ان عدد الحضارمة خارج بلدهم كان اكثر من عددهم داخل بلدهم. فالمقيم في الخارج يعيل المقيم في الداخل، فالثروة الموجودة لديهم هي ثروة المهجر. و كان الحضرمي اذا هاجر يعود الى بلاده بعد سنوات ومعه الاموال، يبني فيها ناطحات سحاب من الطين، التي كانت تعرف عندهم يومذاك بالقصور العوالي، ثم يقوم بمزاولة التجارة، فيصدر محاصيل بلاده من تمر وتبغ وحناء وبخور واحجار كريمة، ولا يحمل معه الى الخارج الا عقيدة الاسلام، ينشرها اينما حل، وبالمقابل يستورد من بلاد المهجر الحرير والتوابل وقصب السكر وبعضا من ثقافته وكثيرا من تجارب الحياة.
دور حضرموت في نشر الاسلام في ممالك الهند الصينية
غادر حضرموت عام 313 للهجرة جمع من المسلمين برفقة اتباعهم وذويهم في سفينة شراعية متجهين الى ممالك الهند الصينية، وبعد ايام من المغادرة وصلت سفينتهم الى الهند، لكنهم لم يلبثوا فيها طويلا انما واصلوا رحلتهم في سفر شاق طويل حتى وصلوا الى اندونيسيا بعد خمسة شهور من الابحار فارسوا على شواطئها الغربية واستقروا
تقع اندونيسيا بين المحيطين الهادي والهندي وهي مجموعة جزر تفصل اسيا عن استراليا وتعرف باسم ارخبيل الملايو وقوامها جزر كبيرة مثل سومطرة وجاوة واخرى صغيرة مثل بالي وجزر الملوك.
اما الفلبين فقد اكتشفها ماجلان عام 1521 م، وبعد عقود من هذا التاريخ ضمها الاسبان الى ممتلكاتهم، لكنهم خسروها في حربهم مع الولايات المتحدة عام 1898 م. واذا استثنينا الفلبين فان سائر جزر الهند الصينية كانت قبيل الحرب العالمية الثانية تخضع للسيطرة الهولندية وتعرف باسم امبراطورية الهند الهولندية، و في القرن التاسع عشر اطلق عليها اسم اندونيسيا اي – جزر الهند -.
تقع اندونيسيا في المنطقة الاستوائية، كثيرة الامطار، لكن البحار المحيطة بها وكثرة الغابات ساعدت على تلطيف مناخها. وجادت الطبيعة عليها بالخيرات التي جعلتها طعمة المستعمرين. ففيها البترول والرصاص والمطاط والبن وقصب السكر والقطن والتوابل وجوز الهند والاخشاب وغير ذلك من المواد الضرورية للصناعة.واكثر الجزر الاندونيسية ازدحاما هي جزيرة جاوه. ففيها ثلاثة اخماس السكان، وهي اكثر الجزر تقدما من الوجهة الاقتصادية والثقافية.
كان المسلمون التجار والدعاة الاوائل يصلون الى اندونيسيا منذ القرن الاول للهجرة قادمين من بلدان الشرق الاوسط. وكانت الملايو محطتهم الاولى. ولعل اقدم ما يوثق صحة هذه الاخبار هو ما كتبه الرحالة الايطالي مركوبولو عام 1292 م وابن بطوطة عام 1345 م.
كان المسلمون القادمون من حضرموت يقيمون في الجزر الاندونيسية فترات طويلة، يتزوجون من نسائها. وقد تاثر السكان بوضوح عقيدتهم بما فيها من المساوات بين المؤمنين وبمأخاتهم للاخرين وبعدهم عن الغايات الاستعمارية، كان ذلك سببا هاما في نشر الدعوة الاسلامية بين الاهالي. دون ان يقوم الخلفاء والسلاطين في الامبراطورية الاسلامية باي عمل ايجابي في هذا الصدد. فالاسلوب السلمي الذي سلكه المهاجرون في نشر الاسلام في اقطار الهند الصينية عبر قرون من الزمن جعلهم ان ينعموا بالحياة الدينية والاجتماعية والعقلية الى درجة حتى استطاعوا ان ينشاوا في كل من جزيرة يانج وبراك وسلنجور سلطنات اسلامية، وقد بلغت تلك السلطنات اوج ازدهارها خلال القرن السابع الميلادي، وبالرغم من انها تعرضت للاحتلال البرتغالي والهولندي والبريطاني، لكن انتهى الامر اخر المطاف الى قيام جمهورية ماليزيا عام 1967، وهي بلاد اسلامية زاهرة عاصمتها كوالالامبور ومن اجمل العواصم الاسلامية ...اما في جزر الفليبين فقد استوطن فيها المسلمون ونشروا فيها الاسلام واقاموا فيها دولة استمرت حتى عام 1521 حينما هاجمهم الاسبان زمن السلطان عبد القاهر. وبعد زوال حكم الاسبان تحولت البلاد الى السيطرة الامريكية عام 1898، وبعد مرور وقت وجيز نال الفليبيون استقلالهم، فلوا وجد الدعاة المسلمون العناية الكافية لانفتحت امامهم السبل للانتشار الواسع في جزائر المحيط الهادئ. لقد شهدت بلاد تايلند بين القرن الثاني والخامس عشر تدفقا اسلاميا عربيا هادرا وقد لقوا من ملكها الاستقبال الرحب الى درجة افضى على بعضهم مراتب عليا في دولته، خاصة ما كان يتعلق بشؤون التجارة والجيش وكان تاثير العقيدة الاسلامية في المجتمع التايلندي عميقا لدرجة انه بعد اجيال كان احد سفراء تايلند في الخارج بعد نيل الاستقلال السياسي مسلما.والطريف انه لما حضر مندوب ملك تايلند ليهنئ المسلمين بالمولد النبي ويشاركهم احتفالهم السنوي، جاء في خطابه انه يشعر بالغبطة والسرور كلما حدثته امه عن جدها الاكبر رجل الدين المسلم الشيخ احمد المهاجر
دور حضرموت في نشرالاسلام في ممالك الهند الصينية،
لقد تعرضت الجزائر الاندونيسية للاستعمار الهولندي اول مرة عام 1596 م، لكن من حسن الحظ كانت اهتمامات المستعمرين منصبة على المال والتجارة ليس الا، فتركوا الاسلام ينتشر على مهل، ناهيك كونهم كانوا يوجهون انظار المسلمين ونشاطهم شطر شؤونهم الدينية، حتى ان الحكومة الهولندية كانت تساهم في نفقات اقامة المساجد، ورعاية ائمتها، فكان ذلك بركة على الاسلام والمسلمين، لان المستعمر قد اتاح للسكان المحليين الفرصة الذهبية لتحقيق الوحدة الدينية، هذه الوحدة اضحت الركن الاساس والدافع الاكبر للنضال ضد الاستعمار للتحرر من نيره. وقبيل الحرب العالمية الثانية احتل اليابانيون اندونيسيا، لكنهم عندما خسروا الحرب مع الولايات المتحدة عام 1945، تركوا ما كان معهم من سلاح للاندونيسيين، فكان ذلك خير معين للوطنيين الثائرين على الظفر بالاستقلال عام 1947، واندونيسيا تعد اليوم من اعظم بلاد الاسلام من حيث المساحة وعدد السكان ـ لا يخفى انه كانت هناك بعض الاسر التي استقرت في بلاد المهجر ولن تعود الى وطنها، لكنها لم تفقد موروثها الثقافي القديم عن طريق الانصهار في المجتمع الجديد، كاسرة الشيخ الشاعر ابوبكر ال شهاب المولود في حضرموت عام 1262 للهجرة الذي هاجرالى اندونيسيا واستقر فيها لكنه حافظ على تقاليد وعاداته العربية الاسلامية رغم مرور سنوات العمر كله.
اما عن اخبارالصحافة في بلدان المهجر للشرق الاقصى، فقد صدرت العديد من الجرائد العربية الاسبوعية كالسلام في سنغافورة وحضرموت والرابطة في اندونيسيا. اما اليوم فقد عفى عليها الزمن ولم تبقى منها من اثر، اما عن اخبار الادب فاقول : لقد بقى الشعر العربي في المهجر كما كان عليه في بلاد العرب بكل خصائصه التي لم تخرج عن اطار الغزل والمديح والرثاء والهجاء، لكن الشعراء هناك اضافوا اليه طابعا جديدا من شعر المهجرالذي يعكس الانفعالات العاطفية للمغترب كالشوق والحنين الذي تثيره ذكريات الوطن والتي كانت تتجسد في صورة عبرات وزفرات وتأوهات،
فشاعر المهجر الشرقي لا يهتم بالديار والاطلال ولا يشتاق اليها انما الى منازل العرب ومجدهم التليد معبرا لهم عن تقديره واعتزازه قوله :
مدينة سنغافورة حين تبدو
معالمها ترى السوح الرحيبا
ولم تسمع اذا ما طفت الا
حماما ساجعا او عندليبا
من ساكنيها العرب الكرام
من المجد اكتست بردا قشيبا
تعتبر هذه القصيدة من اثمن ما ورد في شعر المهجر الشرقي الذي يحدث الاجيال عما كان للمسلمين من الشان العظيم في تلك البلاد النائية، والظاهر ان العرب كانوا فيها من الكثرة وقوة التاثير بحيث يتحدث الشاعر عنهم كجزء بارز في تكوين سنغافورة الاجتماعي والاقتصادي، مثلما يشير الى السوح الرحيبة والسفوح الخصيبة، يحييها المطر لتظل ابدا خصيبة.
من هنا يمكن القول ان نوع البيئة للمهاجر وحالته النفسية هي التي تتحكم في موضوعات الشعر، هناك من يهوى ويعشق يهيم في الجمال ويتغزل، كهذا الشاعر الذي كان يناغي – تقوى – حبيبته قائلا:
ست الحسان لماذا
سماك اهلك تقوى
ففيك طال انتظاري
وكادت الدار تهوى
نفسي فداك تعالي فالوصل
كله بر وتقوى
ان الابداع الفني و الثقافي الذي ظهر في ادب المهجر الشرقي قد خضع مع بالغ الاسف الى الاهمال والتعتيم. علما انه قد توفر في ذلك المحيط المنهل من الظروف الملائمة مما شجعت بعض النوابغ من المغتربين العرب من ان يبلوا بلاء حسنا في مجالات العمل الخلاق والفكر المنير، كالادب والشعر والدين، فغدوا اعلاما يشار اليهم بالبنان، كان الشاعر الفذ ابو بكر احدهم. اكثر ظني ان القصد من هذا الاهمال هو ان لاتتاح الفرصة لادب المهجر الشرقي من ان ينال قسطا كافيا مما يستحقه من عناية الدارسين في البحث والتنقيب و لئلا يكسب روادها نصيبهم من الشهرة التي حققوها عن طريق نتاجاتهم في الادب الانساني المرموق.
لقد عاد معظم الحضارمة الى وطنهم بعد اغتراب طويل، فكانوا في نظر شعبهم من ابنائه البررة كونهم لم ينسوا جذور منبتهم ولم يتنكروا فضل تربة وطنهم، بل انما كانوا معه دوما على اتصال روحي وثيق، لقد جلبوا معهم من بلد المهجر الاموال التي وفروها والخبرة التي اكتسبوها والثقافة التي تعلموها، فساهموا بشوق ونشاط في بناء بلدهم العزيز الشبه صحراوي، فانقذوه من براثن الفقر والفاقة والتخلف الحضاري، حتى ظهرت في حضرموت في العصر الحديث بوادر الحياة العصرية.
كانت الهجرات الاسلامية المتعاقبة الى ممالك الهند الصينية، هجرات جارفة حملت الاعداد الغفيرة من ابناء العروبة الى اوطان بعيدة اتسمت بيئتها بالامن والامان والتمتع بشهرة المقام، اذ فسحت تلك الممالك المجال امام القادمين ان ينموا ويتكاثروا في جو اتسم بثقافة روح التسامح لينعم الوافدون براحة البال والحياة الكريمة، حتى كونوا شعبا كاملا على كثرتهم. ومهما يكن من امر فان تلك الجماعات التي حالفها الحظ ان تفلت من جور الحكام الظلمة و تتحمل معانات الطريق الطويل لنيل الملاذ في وطن الامان، بدات تذوب ملامحهم تدريجيا في مجتمعات الغربة حتى تلاشت تماما بمرور الزمن واصبحوا اخيرا في غيبة ابدية، ولم يبق ما يربط الاحفاد بجذور ابائهم واجدادهم في الوطن الام، مثلما لم يبق لهم من الماضي الا شبح الذكريات. كما حدث لاسرة الحسن في اندونيسيا التي انطوت انطواء كاملا حتى اصبحت سلالتها تحمل اسماء محلية فغدوا يعرفون بعد اجيال بال ساسترو.
ومقابل هذه الخسارة التي المت بشعوب الهلال الخصيب بفقدهم الافذاذ من ابنائها، كانت الجهود المخلصة لهؤلاء الصلحاء في نشر العقيدة الاسلامية في اقطار الهند الصينية باسلوبهم السلمي الهادي المهذب قد اعطت ثمارها، وان هذا الحدث ان دل على شيئ انما يدل على وظيفة دينية وحضارية واجتماعية كبرى، هؤلاء جميعا نسجوا في صبر طويل وعمل دؤوب نسيج ذلك العالم الاسلامي الواسع الذي شكل بعدئذ الجناح الشرقي من صميم امة الاسلام الواحدة. والجدير بالذكر ان الاسلوب الذكي في نشر العقيدة قد لاقى قبولا واستحسانا منقطع النظير لدى تلك الامم لا على الصعيد الشعبي فحسب وانما علىالصعيد الرسمي كذلك وكانهم ادركوا ان (ذلك الدين القيم) قد ولد تحت شمس التاريخ المحقق. انها كانت انجاز رائع ومشكور، اعطت نتائج باهرة منيرة، خاصة بعد ان تزايد عدد المسلمين وتضاعف، فبعد مضي قرون عدة، اضحى تعداد المسلمين في اندونيسيا وحدها يقدر بمئات الملايين، نعم انهم بنوا بعملهم المجيد هذا مجدا شامخا للنهضة الاسلامية الخالدة سجله التاريخ لهم بقلم من ذهب، حقا انها كانت ملحمة ليس لها نظير في تاريخ الاديان على الاطلاق .
الصفحة الرئيسية
»
» Unlabelled
» الاستاذ د.صالح العطوان..... دور حضرموت في نشر الاسلام في ممالك الهند الصينية
الاشتراك في:
تعليقات الرسالة (Atom)
إرسال تعليق
إرسال تعليق