الحمل والطفل
pregnancy

0

21 - جذور ثقافية "سيرة ذاتية"

يكتبها: يحيى محمد سمونة

في الصف الأول ثانوي كانت الميول الأدبية عندي قد بدت واضحة، و بدأت أترنم ببعض ما أحفظ من أشعار ذات جرس موسيقي مجلجل أو ذات معان قوية دفاقة ضاربة في العمق و تحلق في سمائها النفس!
و كانت مديريات التربية في المحافظات توزع على طلاب الصف العاشر ـ قبل نهاية عامهم الدراسي ـ استمارة يحدد فيها الطالب ما إذا كان سيتابع دراسته في الأفرع العلمية أو الأدبية
و كان أبواي بحكم كونهما لم يدخلا المدرسة البتة فهما لا يبديان رأيهما في أمور من هذا القبيل، و كان علي أن أحدد مصيري من تلقاء نفسي أو بعد تشاور مع أصدقائي، و كان الخيار بالنسبة لي ليس باليسير، فانا الآن أملك حسا أدبيا ناميا لكن هذا لا ينفع كثيرا في حياة عملية يحتاج فيها المرء لدخل وفير يحقق من خلاله لنفسه حياة مستقرة، و كان من الشائع بيننا معشر الطلبة أن الأفرع الأدبية ليست بالتي تحقق الدخل المطلوب في سبيل حياة كريمة، بينما الأفرع العلمية بحسب الظن فإن فيها متسعا من خيارات تحقق للمرء مركزا مرموقا في الحياة [ هذا ما كان متعارفا عليه بيننا معشر الطلبة و هو ليس بالصحيح ذلك أن الرازق هو الله و أن الإنسان مهما عزم و حزم في أمره فلن يغير ذلك من مصيره في شيء سوى أنه يمضي في حارة مرسومة له سلفا]
لم يشق على صديقي أسامة و هو يحاورني أن نتابع معا الدراسة في الفرع العلمي، و كان له ما أراد رغما عن ميولي الأدبية، الأمر الذي أدى بي إلى تقهقر في حالتي الدراسية مع استمرار شغفي بالأدب عموما و بالأشعار على وجه الخصوص و بدأت أقرض شيئا من الشعر الذي غلب عليه طابع العشق [ لم أحتفظ بالأشعار التي كتبت و ذلك باعتبار وجهة نظر الدين الذي بدأت أميل إليه فيما بعد ثم كان ـ أي الدين ـ هو  الحكم و الحاكم على ما أنطق به أمري ]
كان صديقي عبد الباسط لبنية ـ حفظه الله ـ قد تابع دراسته في القسم الأدبي  و قد بدأ كمحاولة منه شبابية في كتابة القصة القصيرة و قد أعجبته الذائقة الأدبية عندي فكان يطرح علي و يسمعني القصص التي يكتب ثم يستمع إلى رأيي فيها بكل شغف و اهتمام و إنصات و ترقب لما أقول، و كان يقول لي بعد استماعه لوجهة نظري: أشعر كأن كلامك بما هو عليه من صدق و عفوية يفوق بقوته و زخمه كلام كبار النقاد الذين صبغتهم الثقافة المعاصرة بصبغة  لا تليق بعبقرية أدبنا العربي و شموخه و عظمته

ــ يحيى محمد سمونة.حلب ــ

إرسال تعليق

 
Top