تقديم بقلمي :للمجموعة القصصية التي تحمل عنوان ((للخوف ظل طويل)) للكاتبة والأديبة العراقية المبدعة منى الصراف فكتبت في تقديمي لهذا الكتاب القيم ماهو آت :
ألمقدمة :
بات من المعلوم أن لكل شيء ظل له طالما كان هناك نورا او ضياء وبأنعدام ذلك النور لن يكون ظل في العتمة لذا كان الظل هو الأستجابة المقدرة على النور .ومشكلة الظل الأزلية هي عدم مطابقته لواقع الشيء ومجافاته لحقيقته لذا كان الظل من ناحيته الوجودية أمرا حقيقيا لاشك في اطواله وابعاده وحدوده بل لو أتينا بأدق مقاييس العالم ستبدو لنا تلك الابعاد حقيقة غير قابلة للشك الا ان تلك الحقيقة التي تدعمها مقاييس الرياضيات وفيزياء الكم هي واقعيا ليست التمثيل الحقيقي للشيء الذي تسند اليه وتنتمي اليه لذا كانت الطامة الكبرى بأعتبار ذلك الظل بمثابة الحقيقة الخادعة او الحقيقة المزيفة للشيء وبتوسع مدارات الظل وتعدد انواعه تأخذنا الكاتبة الأديبة منى الصراف نحو هذا النوع من الظل داخل ذهن الأنسان ذلك الظل المسند للخوف والتمثيل الطبيعي لفكرة الخوف في الذهن الطفولي والبدائي وتتوسع الكاتبة في قصتها للخوف ظل طويل لتعري تلك الحقيقة بواسطة ذهن طفلة وكانت ترى ان الفكرة الطفولية يمكن دحضها لأبسط عقل وان كان بدائيا لكن المشكلة العظمى هي افتقار المجتمع البدائي لجرأة التفكير وجرأة الأحساس وجرأة مكافحة الخرافات والأوهام . ارادت الكاتبة بقصتها تهيئة جو ملائم لأقتلاع الخوف من جذوره المغروسة في ظله الوهمي والذي لايطابق حقيقة واقع الأمور المخوف منها وكان في قصتها تمرد وتحدي وانتصار طبيعي لأرادة القوة والصمود وكانت تشير او تتنبأ بأنه يوما ما ستتعرى الحقائق وتنكشف تلك القطة الماكرة التي لعبت بعقول الناس فهي تظهر لهم (ألسعلوة)في الظل بينما حقيقة تلك السعلوة لم تكن سوى قطة بائسة جائعة خائفة كانت تكسب طعامها وتلبي احتياجها على حساب زراعة الخوف وايهام الحضور بقصد او غير قصد وهي على شاكلة الكثيرين من تجار الوهم والظل الخادع الذين يتكسبون ويعتاشون على هذه التجارة البائرة تاريخيا والمتعفنة حقيقة لكن ظلها يبدو للناس جنان وجحيما. وتواصل الكاتبة فكرتها التي كان للظل وجودا بها لكن هذه المرة بعنوان بائعات الأماني .. وفكرة القصة كانت تدين ابتزاز الظل للحقيقة وتسلق اصحاب الظل مآربهم بواسطة اخضاع الحقائق التي بأيديهم لمصلحة الوهم والتضليل فمن خلال الحقائق التي تسرقها تلك العرافة الغجرية تصيغها ظلا جديد لواقع قادم وتمضي القصة الى صراع العقل الطفولي البدائي الذي يدافع عن معاجز الغجرية الكشفية وبين عقل النضوج الكبير الذي وقع على علة التلاعب بالعقول وفهم طرق تكبير الحقائق وتصغيرها في الظل. وتستمر تلك الرحلة القصصية مرورا بالموت الأخضر تلك القصة التي كانت تتطرق الى سذاجة قوانين فهم الحقيقة والتي تبدو بها مبررات لامعنى لها يعيش الأنسان لأجلها وقد يخسر حياته وكانت القصة تصب اهتمامها على موضوع حرية الأنسان التي هي جوهر كل اهتمامه والشرط الأول الذي يمكنه من فهم حقائق الانسان والوجود من خلالها فمع القوالب التي صنعها الطوبائيون لايمكن ان تصلح كمقياس ومكيال تقاس به كل حقيقة بل ان من الحرية ان تتعدد الحقيقة ومن الحرية ان تكون لكل امرء حقيقته ومن حق الآخرين ان يتكلموا عن حقيقتهم وأن لايسوقونها قهريا الى الغير بل ان يرسمونها للراغبين بفهمها وان لايضعها بموضع يكون به ظلها غير مطابق لها فيراها الناس بغير شكلها كمثل مايرى المؤمنون بالغيب فكرة حرية الأعتقاد كفرا وجحودا والحادا بحق الحقيقة المطلقة التي تستعبد اذهانهم وتلجم حريتها من التطلع لغيرها والتوجه اليها. وكانت القصة تضع حياة المرء على كفة القدسية لتجعل من حياة المرء اهم المقدسات التي يعيش فيها ولأجلها وانها المشروع الأهم في وجود الأنسان وكل عنوان آخر فهو تبع لها وأثر. وتضيف حلقة مميزة لتلك السلسلة القصصية مسلطة اضواءها على فلسفة (الحب في الشرق) والتي بها يبدو كل موضوع متاح داخل دائرة الحب الشرقي وعلة ذلك لأن الحب ممنوع فما يضير ان يطرح الممنوع في دائرة الممنوع مثلما يطرح المسموح في عالم المسموح وكأن القصة هي عبارة عن انتماء ظل المبادئ لتمثيلها الحقيقي فلاينبغي ان يكون الظل بعكس الانتماء الطبيعي لواقعه . وارادت القول ان في الحب كل شيء جائز وكل مستحيل كائن وحرية التفكير مشروعة بل ليس هناك بيئة اكثر مثالية من الحب تكفل حرية الذهن والكينونة حتى يتاح بها للأنسان ان يكون ألها ان اراد وماذلك الأله سوى ظل لحرية اتيح له فيها ان يكون مايشاء ومااعظمها حرية الكينونة تلك !! وتتواصل تلك الايقاعات القصصية على سلم السرد ونجد انفسنا في (بسمات بطعم غربي)حيث حواريات شيقة بين توقعات لحقائق عبر ظلالها ولكونها تنتمي لعنوان واحد فليس بالضرورة ان تكون حقيقة الأشياء واحدة وقد يكون وجود بكامله هو جانب او انعكاس لوجود آخر فكان محور التكهن بالقصة هو الحادثة التي تبدو للمتقصي بصورة لاتطابق توقعاته لشكل حدوثها وظل حدوثها بينما هي واقعا لها وجودها الثابت ومن سخافة القدر ان يجعل التكهن بحقيقة تبدو في غاية الخطورة والاهمية تبدو في واقعها التي تحل به ظلا في وقت لاحق عبارة عن لعبة ليس في الكون شيء اتفه منها بينما هي تبدو بمقدار من الأهمية لدى البعض يفوق حياتهم . ومن ثم تأخذنا الكاتبة الصراف الى ليلة صيف في حوارية جميلة تجسد قناعات طفولية وقناعات يمليها الكبار ويتقبلها الصغار لأنه آمنوا بصغرهم واقتنعوا بأحقية الكبار فيهم وسلموا اذهانهم بضاعة رخيصة ليضع فيها الكبار برامجهم ويطبعون عليها ماشاؤوا من حماقات قد تودي بهم الى التهلكة . وتستمر بنا الى حيث (غفوة) التي فيها يطلب المرء امورا لم يسبقه اليها احد ويشتهي مالم يشتهي ان يفعله احد فكانت بحق حرية مافوق التعقل كانت حرية لاتأبه للسبب بقدر اهتمامها بالنتيجة وأثرها بل كانت حرية الفعل اذكى من اسباب التحليل الذي تخلف عن بلوغ سبب ماتدور حوله فكانت غفوة تمهيدا لحرية جسد وحرية اشتهاء وقناعات متناقضة قد تتداخل في ذهن امرء وكانت القصة تؤمن بتداخل الشيء مع نقيضه مثلما يتداحل الشيء وظله في حقيقة الأنتساب فبالرغم من اختلاف الحال لكنهما في الاصل تمثيل لشيء واحد . وتحلق بنا الكاتبة الى حيث الحب لتضعه تحت خانة الأشياء التي لاتفقد قيمتها مهما اختلطت الأزمنة ومهما تداخلت الامكنة والحالات بين صحو وحلم فالحب هو الحقيقة التي ظلها هو الحب بكل زمان ومكان. وتنطلق بنا الى تلك العجوز التي تتمسك بوسادتها الى الرمق الأخير وتجددها بعد انفراط اجزائها وتطايرها وكانت الكاتبة توحي لمشروعية تمسك الأنسان بأحلامه وتحديثها واستئنافها بكل مراحل العمر وان بدت للناظرين تفاهة ونشاز او تصابيا . ثم لانلبث ان نجد انفسنا في جانبين وركام تلك القصة التي تبرز انتصار الحياة للحياة وانتصار وانهزام الموت بالموت ومن تلك الانتصارات ان يفارق الانسان الحياة بملئ ارادته حين يجد نفسه بحال لاتليق بالأحياء وان لايكافح الذين سرقوا منه اعز مالديه بسرقة بشعة على شاكلتها بل حري به ان يسرق نفسه من اتون عالم اصبح العوبة بيد ثلة من الدهماء والحمقى. ثم تصطحبنا الكاتبة الى حيث اليوتوبيا التي كانت للامكان حيث القدر الذي يمارس لعبته وبالفعل كانت تلك القصة سلسلة العاب مارسها القدر على حياة رجل سحقته الحياة لفترة طويلة ثم ابتسم له الحظ مؤخرا في خاتمة التلاعب بسلام الأنسان وأمنه وراحته . ثم تواصل الكاتبة رحلتها القصصية لنجد انفسنا بمحطة اطلقت عليها عنوان كي لا أذل وكانت القصة عبارة عن استعراض لقناعتين في موضوع واحد توزعت ادوارها بين شاب ووالده الذي اراد ان يخدره ببضعة آراء تحفظ له هدوء بطريقة تصور انها تنطلي على ولده الشاب لكن كانت الغلبة فيها لذهن الشاب الذي كان لا يؤمن الا بقناعته الشخصية ولا يرتضي لنفسه رؤية الحقائق بذهنية الغير وكان محور القصة حرية الفكر والذهن . ونجد انفسنا مندفعين دون ان نعي ذلك تجاه ذلك الحوار المثير في دائرة الضوء حيث يتحدث الحبيب الى قلب حبيبته من خاصرة الوجع التي طالها خنجر فراقه وبعده لتتشابك الآراء وتتقاطع وتتحد وتخلص الى نقطة الحب الذي من اجله تتغير القناعات والآراء وتتحرك الثوابت وتتحد المتفرقات لقضية الحب التي تبدو لنا اهم ماطرحته القصه واكثر مااعطته من اهمية . ثم الى قصة الواهمون والتي طرحت بها الكاتبة موضوع الوهم وتناولته بنوعيه الفردي والجمعي وكان حسان الواهم ممثلا للوهم الفردس والذي هو بدوره عينة من مجتمع مصاب بالوهم الجمعي لذا كان للوهم جولة مميزة في تلكم القصة . ثم نجد انفسنا بمحطة قصصية في غاية الطرافة وكانت بعنوان دعاء ملغي حيث يتجسد فيها طفولة عقل الأنسان وسذاجته حين يصدق بكل مايقال له على شاكلة الأطفال وتستغل تلك السيدة سذاجة عقل تلك المرأة لتروح عن نفسها فيها وينتهي الحوار بالترويح عن النفس الذي شابه الشعور بالوحدة بعده لعدة أيام بعد انقطاع تلك المرأة الساذجة عن المجيء لصديقتها صاحبة الدعاء . ومنها الى قصة الفراشات ايضا شجاعات حيث تتجلى القوة بمظهر الفكرة وبمظهر الفعل الجسدي تلك القوة التي اتخذت من ذهن الأخت الكبرى قاعدة ومنطلقا واتخذت من قبضتي الأخت الصغرى واذرعها تطبيقا عمليا يجسد قوة الفكرة النظرية وكانت بحق لوحة تلتقي بها قوة العقل والجسد في فتاتين خلقتا للقوة . ثم الى فارس بدون ملامح الى حيث الحب الشرقي الذي يلتف به المرء ويختبئ من وراء جدار ليعبر عما في ذهنه لتعبر تلك القصة عن مظلومية رجل شرقي وقع بالحب في غفلة من غفلات طرق التواصل المحفوفة بتغير الأقنعة ولا ينجو منها الكثير من مزالق الغش والتمويه وقد يعثر من شدةالتعتيم بذلك الطريق وتطرح القصة ألم ولوج ذلك الطريق الذي يغري السالكين فيه لأجل قضاء الوقت فيغريهم لولوج مداخله التي تفوح منها رائحة الحب والوئام وقد علق قلب مريم بأحدى تلك المنافذ ومكث فيها وكان عسيرا جدا عليه الانسحاب دون جراح تدمي القلب وتصيب الوجدان بالوجع والتأنيب.وتنتهي القصة بأخذ كل واحد منهم لأستحقاقه الطبيعي وليبق مثلما كان ذلك الفارس من خلف جدار دون ملامح وجاهل بحقيقة جذور حبه واصوله الطبيعية . والى قصتها الشيقة التي كانت بعنوان وجوه والتي تناولت فيها نفاق الرجل الشرقي داخل وخارج بيته حيث يبدو خارج بيته كألحملان مع نساء المجتمع وفي داخل بيته مثل الذئاب الخاطفة مع امرأته ونساء بيته وترى القصة بموت هكذا نوع من الرجال راحة لأسرهم وللمجتمع جميعا من هكذا أناس منافقين يدجلون ويعتشاون ويمتهنون التحايل ويسلكون بأخبث الوسائل . وكانت تلك الوجوه المتعددة لرأس شرقي لايمل من ارتداء الأقنعة فأدانته الكاتبة وانصفت تلك المرأة المتقنعة بالحزن وسوء الحظ والأقدار .
أمنياتي للقارئ الكريم برحلة ممتعة بين هذه المحطات القصصية الممتعة والحافلة بما هو مثير ومشوق قد يبدو للبعض بذرة تمرد يتعاطف معها من يملك استقلالية الأحساس والشعور وقد يستشيط منها اولئلك المتعنصرون لنوعهم وجنسهم ومجتمعاتهم . أمنياتي بالتوفيق لصاحبة المجموعة القصصية الممتعة منى الصراف والتي كانت بعنوان للخوف ظل طويل ووقتا ممتعا اتمناه لكم بمطالعة هذا الكتاب .
رائد مهدي // ناقد و أديب / العراق
إرسال تعليق
إرسال تعليق