رؤية فنية للناقد نبيل القوشجي
دعاء ملغي - ترنيمة حياتية كوميدية الملامح
للكاتبة والقاصة العراقية منى الصراف
هناك نقاد يعتقدون أن القصة القصيرة والقصيرة جدا أنها ليست ألا سحابة عابرة،وأنها مع مرور الأيام قد تختفي وهنا لابد أن أشير إلى رأي القاص المصري محمود شقير الذي كان ضد رأي بعض النقاد، حيث أشار انه هناك فرصة كبيرة أمام القصة القصيرة للصمود والثبات والبقاء، وأنها ستخطو بثقة إلى الأمام في حالة انتباه النقاد إليها، وإذا قاموا بدراسة نماذجها المتقدمة، ووضعوا لها التنظير النقدي الذي بوسعه ترشيد خطاها، مما يمهد إلى انطلاقها وتحليقها في سماء الأدب العربي.
دعاء ملغي - أجمل ما في قصص الكاتبة والقاصة العراقية منى الصراف انها تلقائية السرد ،تحول القصة الى عالم واسع المعالم وسرعان ما تستدرك لتجمع أطرافها وتهمين على أرجائها لتقلي الضوء على نقطة او نقطتين أثارة انتباهها ليعلم الجميع ما يجول في خاطرها .
فلو تمعنت في فضاء قصتها (القصيرة)الجديدة – دعاء ملغي – لوجدت لمستها المعتادة واضحة فهي تلجأ دائما للكشف كل شيء في القصة ولا تدع شيئا مخفيا أو مبهما.
جاءت أحداث القصة مصاغة بدقة، ومكتوبة بعناية وتميزت بترابط الأجزاء : ((لماذا الله لا يرسل لي حقيبة كتلك التي وجدها جارنا !؟ لأحقق بها ما أتمنى .. مللت من هذه الأمنية شبة المستحيلة .. قلت لها مازحة ؛ ما قولكِ لو دعوت لكِ الله ليمنحها إياكِ )) .
ويمكن الوقوف على جزء من أجزاء القصة ولو من باب الإشارة بالمضمون ولعدم الإطالة :
- البداية (استهلال): يعنى يمهد فيه القاص الأحداث لجعله مسرحا للأحداث التي تأتي في ما بعد .. وهذا نموذج لها : تلك الحقيبة التي وجدها جاري الممتلئة بالنقود ، كانت قد فتحت شهية وأحلام الكثيرين ممن سمع بالقصة .. ومن ضمنهم جارتي .. خمسينية العمر الجميلة الفرحة ، المرحة .. النزقة .. تدخل بيتي في أي وقت ترغب بدون استئذان ، كما هو حال القطط ).
وهذا ما يسمى بـ (استهلال ديناميّ)، والديناميّ يعنى فيه القاص بوضع القارئ مباشرة في قلب القصة دون تمهيد بعد أن تكون الأحداث الممهدة ،ونموذجه :(وكنا نتجاذب أطراف الحديث حول كل شيء واي شيء راغبة هي الحديث فيه !! ولو حاولت مرة ان أحدثها عن أمر يشغلني بكل سهولة تتركني وتذهب !! ).
هنا أبدعت الكاتبة منى الصراف في استخدام المفارقة وتفجير المتوقع والنهاية المباغتة، فالقصة تتحدث عن امرأتين جارتين ، إلا أن أحداهما تريد أن تقاسم الأخرى أمنية قد تحققها دعاء ، وقد قرأنا مدى جشعها وطمعها في تقاسم المال الذي قد يكون لها لو استجاب الله لدعاء جارتها ،(قلت:- حسنا وكم سيكون نصيبي من تلك الحقيبة التي تجدين !؟
سكتت طويلا والتفتت ذات اليمين والشمال نظرت إلى سقف المطبخ ونطقت أخيرا! سيكون نصيبكِ العشرة بالمائة من محتواها ).
والمفارقة أنها اتهمت صاحبت الدعاء بالجشع لأنها طلبت نصف المبلغ الموجود في الحقيبة .
إنها قصة تسرد عالما من المشاعر المتناقضة التي يحدثها حب المال ،فيها ترنيمة حياتية كوميدية الملامح ،إنها تعبير عن رؤية حقائق الحياة بين تلك السطور التي سطرتها كاتبتنا الأنيقة منى الصراف في – دعاء ملغي .
قصة قصيرة
دعاء ملغى
----------
تلك الحقيبة التي وجدها جاري الممتلئة بالنقود ، كانت قد فتحت شهية واحلام الكثيرين ممن سمع بالقصة .. ومن ضمنهم جارتي .. خمسينية العمر الجميلة الفرحة ، المرحة .. النزقة .. تدخل بيتي في اي وقت ترغب بدون استئذان ، كما هو حال القطط ..
أعتادت على شرب القهوة الصباحية معي .. وكنا نتجاذب أطراف الحديث حول كل شيء واي شيء راغبة هي الحديث فيه !! ولو حاولت مرة ان أحدثها عن أمر يشغلني بكل سهولة تتركني وتذهب !!
قالت لي مرة ؛ لماذا الله لا يرسل لي حقيبة كتلك التي وجدها جارنا !؟ لاحقق بها ما اتمنى .. مللت من هذه الأمنية شبة المستحيلة .. قلت لها مازحة ؛ ماقولكِ لو دعوت لكِ الله ليمنحها اياكِ !
قالت :- اتمنى ادعي لي عزيزتي يقال ان دعوة الغريب مستجابة !
قلت :- حسنآ وكم سيكون نصيبي من تلك الحقيبة التي تجدين !؟
سكتت طويلا والتفتت ذات اليمين والشمال نظرت الى سقف المطبخ ونطقت اخيرآ ! سيكون نصيبكِ العشرة بالمائه من محتواها !
ضحكتُ بشدة وتعمدت الضحك بقوة .. اخبرتها باني لست بدلال عقارات كي تمنحني تلك النسبة ! أنتفضت بوجهي وصرخت وكم تريدين !؟
قلت :- لا أرضى سوى النصف !
أستهجنت بشدة طلبي هذا وغضبت وارتفع صوتها .. أنا لم اعرفكِ جشعة هكذا يا حبيبتي !
بحزم أخبرتها باني لاأرضى بغير النصف ! أن لم توافقي ياعزيزتي لن تجدي تلك الحقيبة لأنني ببساطة لغيته ! لن ادعو الله لكِ !.
منى الصراف / العراق
إرسال تعليق
إرسال تعليق