الحمل والطفل
pregnancy

0





( يوميات رمضان )- 25
_ أجنحةُ غُصن _ 
-------
تلكَ الحمامةُ البيضاء , تقضي مُعظم وقتها خارجَ العُشّ الصغير , تحمِلُ في ثناياها سِحرُ الأنثى التي مازالت تنتظرُ فارسها على حصانهِ الأبيض , رُبما لم تكنْ تدري بِأنَّ لونها أبيضاً أيضاً , الصبحُ يُطلِقُ أولَ تنهيداتهِ اللاهثة , قطراتُ الندى تُداعِبُ وريقاتٍ عذراء , النسمةُ الهاربةُ منْ ظُلمِ ليلٍ قارسٍ تُباشرُ تناول طعامها الصباحي , الديكةُ تأوي إلى حُضنِ الخُمِّ , تطلبُ استراحةَ استرخاءٍ بعدَ عناءِ ولادة , تتعانقُ الثغور بِاشتياق , وداعٌ مُؤقتٌ يُرخي بِظلاله على العُشِّ الصغير , الحمامةُ تضرِبُ الريحَ بجناحيها , لم تأبهَ للبردِ المُتشبثِ بجذوةِ السماء , الحياةُ لا تُوقِفُها لسعةُ بردٍ وسوادِ غيوم , تمتَمَتْ بهمسٍ خافتْ , تخشى أن يسمعها صغيرها المُندسّ بينَ أعوادِ قشٍّ حنون , رحلةُ السماءِ تستغرقُ جُهدها وقِواها , الدربُ ضيقة في ذلكَ اليومِ القاتم , صوتُ الناي يُحطَّمُ عتاوةَ البرد , يُصغي الصغيرُ طرباً منْ خلفِ عُشّهِ القابعِ على غُصنٍ يحلمُ ببعضِ الحرية المُتثاقلة , ذاتَ يومٍ , قطراتُ الندى تهجرُ المكانَ , وداعها كان مُختلفاً هذا الصباح , يُحاولُ الفرخُ الحالِمُ ببعضِ طعامٍ الخروجَ إلى فضاءٍ أوسع , القرارُ يحتاجُ لموافقةِ الأمّ التي مازالتْ تُعانِدُ رياحاً صُلبة , رُبما التمردُ ينفعُ أحياناً , خاطبَ نفسه , ما كانَ لأحدٍ أنْ يسمعَ صوته , سوى اِنكسارِ غُصنٍ , وصمتُ شجرةِ سنديان , تَصرخُ آخرُ قطراتِ الندى المُهاجرة , ( لا تبرحِ العُشَّ أيُّها الصغير , ستُحطِمُكَ الريحُ اللعينة ) , أدارت ظهرها بشيءٍ مِنَ الخوف , ثُمَّ تركت المكان وعيناها ترنو صوبَ السماء , الصغيرُ يُقرِرُ مُنفرداً هذه المرة , الأولى في حياته القصيرة , قدماهُ الغضّتانِ تطأانِ هاويةَ العشِّ الذي بدأ يرتعدُ منْ هولِ آتٍ مُخيف , لم يُبارك القرار , الأرضُ تلتقِفُ الصغيرَ , ما كانتْ تودُّ البُكاء ذلكَ الصباح , اِحتضنتهُ بحنانِ أُمهاتِ الكون , الحمامةُ البيضاءُ ترفرِفُ آخرَ ألحانِها , فقدْ اِنتهتْ رِحلتها مُنذُ لحظات , قذفتْ بِحمْلِها إلى قارعةِ السماء , الثغورُ لمْ تتلاقى منْ تِلكَ اللحظة ...
________
وليد.ع.العايش 
30 / 6 / 2016م

إرسال تعليق

 
Top