دورعمان في نشــر الإســلام
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ د.صالح العطوان الحيالي
لقد كان لأهل عمان دور رائد في نشر الإسلام في بقاع الأرض ومن ذلك نشر الإسلام في شرق أفريقيا والهند والصين وأندونيسيا.. وقد عرف العمانيون منذ القديم بمقدرتهم الحربية براً وبحراً ، وعندما جاء الإسلام كانوا من جند الفتوحات في الصفوف الأولى ، إذ تذكر الروايات التاريخية أن الملك عبد بن الجلندى العماني حين كان بالمدينة طلب من أبي بكر الصديق أن يقوم بحرب الغساسنة وآل جغنة على حدود الشام ، واستجاب له أبو بكر(رض) ، وأمّره على سرية كان فيها حسان بن ثابت الأنصاري ، وقد قال عنه حسان "لم أر رجلا أحزم ، ولا أحسن رأيا وتدبيرا من عبد، وهو والله ممن وهب نفسه في يوم غارت صِباحه وأظلم صباحه .. فسر ذلك أبو بكر فقال: هو يا أبا الوليد كما ذكرت ، والقول يقصر عن وصفه، والوصف يقصر عن فضله"
فبلغ ذلك (عبد) فبعث بمال عظيم وأرسل إليه: (إن مالي يعجز عن مكافأتك فاعذر فيما قصر ، واقبل ما تيسر) ثم إن أبا بكر(رض) كتب كتاباً إلى أهل عمان يشكرهم ويثني عليهم ، ومن ثم لم يكن عجباً أن يكون العمانيون الذين دخلوا الاسلام دون الحرب ، وعلى هذا النحو من الحماسة للإسلام، والتضحية في سبيله بأموالهم وأنفسهم ابتغاء رضوان الله. فكانوا في الصفوف الأولى في الفتوحات الإسلامية ، فكان دورهم في فتح العراق وفارس، وخاصة من ناحية البحر عضيماً.
يذكرأن الخليفة عمر بن الخطاب (رض) طلب من والي عمان عثمان بن أبي العاص الثقفي بعد وقعة (جلولاء) 16هـ أن يقطع البحر لمحاربة كسرى فارس، فخرج معه ثلاثة آلاف محارب أو ألفان وستمائة من الأزد، وراسب، وناحية، وعبدالقيس، وأكثرهم من الأزد، فعبر بهم عثمان بن أبي العاص من جلفار (رأس الخيمة) إلى جزيرة كاون (البحرين) وفيما قائد العجم ، فسالم القائد الفارسي عثمان بن أبي العاص ولم يقاتله. ولكن الدور البارز الذي قام به العمانيون كان في عهد امير المؤمنين عمر بن الخطاب (رض) ، ومن جاء بعده في فتوح الشام وفارس والمغرب، ومصر وغيرها، ومن تم فإننا نجد لهم آثارا باقية في كل هذه البلاد، وكان منهم قواداً عظاماً وعلماء كبار، رفعوا راية الإسلام خفاقة في كل مصر وقطر.
نشر الإسلام بشرق إفريقيا:
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ لا نستطيع أن نحدد تاريخاً معيناً لبداية الاتصالات العمانية الإفريقية، فمنذ أقدم العصور جاء العمانيون إلى الساحل الشرقي لإفريقيا المواجه لشبه الجزيرة العربية، وكان لهم تبادل تجاري مع السكان الأفارقة. ولكن الذي لا شك فيه هو أن هذه العلاقات بدأت قبل ظهور الإسلام، فقد اشتهر العمانيون بركوب البحر، وعرفوا الانتقال من البحر الأحمر الشرقي إلى الساحل الغربي منه، وتسجل كل المصادر التاريخية نبوغهم في هذا المجال، وارتباط حضارتهم الاقتصادية والسياسية والثقافية به. وقد كان الوجود العماني في شرق أفريقيا بكل المقاييس، أكبر كثافة، وأكثر عمقاً منها في آسيا، أو بالتحديد جنوب شرقي آسيا، ولذلك كان تأثيرهم في هذه المنطقة أشد وأقوى . فقد اعتمد – بجانب الروابط الملاحية والتجارية – على الهجرة العمانية الدائمة فردية وجماعية، حيث تعوّد الشعب العماني على رحلات منظّمة إلى شرق إفريقيا. ... ولا شكّ أن احتكاك الأفارقة بالعرب المسلمين أدى إلى نتائج عميقة لم تقتصر على التجارية أو المعاملات المادية، بل لقد كان لأسلوب التعامل، وما حمله العرب المسلمون معهم من مبادئ يدعو إليها الإسلام، أعمق الأثر في الأفارقة.
والحق إن المصادر كلها تشير إلى دور التجار في هذا الصدد، لأن العلاقات الإقتصادية كانت من الدوافع التي ساعدت أن يتجه العمانيون إلى هذه المناطق النائية، ويستقروا فيها، ويكوّنوا بها إمارات عربية نمت وازدهرت بالتدريج، وشهد بعظمتها وازدهارها وتحضرها كل من زار المنطقة من العرب والأجانب على السواء، وكانت هذه المهاجر العمانية على الساحل الإفريقي الشرقي مصدر إشعاع حضاري أثر في المناطق الإفريقية المجاورة. ونستطيع القول بوضوح إن كافة المصادر التاريخية تؤكد على الصلة بين عمان في كل العصور وبين الشرق والجنوب الإفريقي، حتى أنهم وصلوا إلى تنزانيا، ومدغشقر، وجنوب الصومال، وجزر القمر، ومنطقة نورديفان، وكلوة، ومِمبا، وزنجبار كما توضح ذلك مصادر كثيرة. أما في شرق إفريقيا نفسها فقد توغلوا في الأحراش والغابات غير خائفين ولا وجلين، وكأن ركوب المخاطر في البحر ساعدهم على ركوبها في البر أيضاً. وهكذا وصل العمانيون إلى جنوب وحول البحيرات الاستوائية، وإلى بحيرة نيانسا، ومنابع نهر الزمبيزي، وموزمبيق، وبحيرة تنجنيقا، وفيكتوريا، والبرت، وكيوجا المعرفة الآن باسم بورندي، ورواندا، وغربي كينيا، وغربي وجنوب أوغندا، ومملكة كارنجا (زيمبابوي). وقد استطاعوا بمهارتهم وقوة عزيمتهم أن يصلوا عن طريق ممتد بين الساحل والداخل، وتدفقوا عبر هذا الطريق مستخدمين الإبل في رحلات تستغرق شهرواً. وكانت هذه الطرق بالتحديد هي السبيل الوحيد إلى وصول الإسلام إلى هذه المناطق الداخلية النائية في إفريقيا. ومع مرور الأيام تحولت هذه العلاقات التي بدأت بالتجارة إلى علاقات حضارية عميقة في كل مجالات الحياة، فتزاوج رجال عمان بنساء من إفريقيا، فجاء الجيل الجديد تعبيراً عن هذا المزج الحضاري الذي ترجم نفسه سريعاَ في تزاوج أخر بين اللغة العربية التي حملها العمانيون إلى إفريقيا وأخلصوا في نشر تعاليم الإسلام بها، وبين لغة الأفارقة أنفسهم، فنشأت في زنجبار وما حولها اللغة السواحيلية التي جاءت وليدة تزاوج العربي الإفرقي، والتي يتكلم بها أهل المشرق والجنوب الإفريقي حتى اليوم. وقد برزت بعض المدن الساحلية زاهية بحضارتها العربية الإسلامية الجديدة، مثل لامو الواقعة شمال ممباسا، ويرجع تأسيسها إلى مستهل القرن الثامن الهجري، وقامت بها حكومة ديموقراطية ، كما برزت في هذا المجال شخصيات عمانية اشتهرت بالجرأة في اقتحام المخاطر، ولا يكاد يصل القرن العاشر الهجري حتى استطاع الأئمة العمانيون أن يمدوا سلطانهم على الشمال الشرقي من أرض الصومال حتى نهر رفوما، وأن يقيموا فيها إمارات تابعة لهم، وضعوا على رأسها رؤساء من العائلات العربية في ممباسا وزنجبار، وغيرهما من المناطق الهامة.
واستمرت قرونا إلى أن جاء السقوط الأخير على يد الأفارقة الشيوعيين في أوائل الستينات. ولم يبق من تلك الأثار إلا ما كتبه العلماء العمانيون أو غيرهم عن تلك العهود الزاهرة.
نشر الإسلام في الهند:
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ كانت هناك عدة عوامل ساعدت كلها على الاتصال المباشر بين عمان والهند منها:
أولا: الجوار فبحكم وجود عمان قبالة الهند بحيث لا يفصل بينهما سوى المحيط الهندي، تعتبر عمان بالنسبة للهند بوابة إلى الخليج، والجزيرة العربية بأجمعها، وقد وطد هذا الجوار العلاقات بين القطرين منذ زمن بعيد.
ثانيا: الحركة التجارية ، كانت الحركة التجارية نشيطة دائبة بين عمان والهند، وكانت السفن تمخر عباب المحيط الهندي جيئة وذهاباً ما بين القطرين ، فقد كانت الهند في حاجة ماسة إلى توطيد علاقتها ببلاد العرب عامة، وبعمان خاصة، إذ أن الهند كانت في حاجة شديدة إلى (اللبان) الذي يستخدم في صناعة البخور، والذي تشتهر به منطقة ظفار عالمياً كما أن حاجتها إلى العاج الإفريقي ظلت شديدة أيضاً، وكان يصل إليها عن طريق عمان ينقله العمانيون من شرق إفريقيا، وكانت الهند في حاجة أيضاً غلى الخيول العربية التي كانت تأتيها من عمان بعامة، ومن منطقة ظفار بخاصة.
وكانت الهند من جهتها تبيع لعمان الأقمشة، والأقطان، والتوابل، والعطور ، وخشب النارجيل اللازم لصناعة الهند، وغير ذلك من المواد الزراعية والصناعية.
ثالثا: المنافسة البحرية:
كان لا بد أن تكون هناك منافسة شديدة في السيطرة على الطريق البحري التجاري بين الهند وعمان ، ويبدو أن المراكب العمانية كانت تتعرض من حين إلى آخر لهجمات القراصنة الهنود
مما دفع بالأئمة العمانيين لحماية نشاطهم التجاري بإحداث أسطول حربي قوي يقف في وجه هجمات أولئك القراصنة ، وقد أنشأ الإمام غسان بن عبدالله اليحمدي (192هـ) أسطولا بحرياً مسلحاً لحماية الشواطئ العمانية، ولتأمين الطريق البحري من القراصنة ، وقد قوي هذا الأسطول في عهد الإمام مهنا بن جيفر اليحمدي ما بين (226-237) إذ استطاع أن يكون أسطولاً ضخماً على درجة رفيعة من العدة والعتاد ، قيل أنه تتكون من ثلاثمائة بارجة حربية مسلحة ، هذه العوامل جميعها عززت العلاقات بين البلدين ودفعت العمانيين إلى الهجرة والاستقرار بالساحل الغربي لبلاد الهند، فعمروا بعض البلاد وبنوا بها منازل لهم مثل ميناء تامه ، وقندرينا ، وكبايه ، وجرفتين ، وكلها موجود بالساحل الغربي المعروف عند القدامى بساحل ملبار ، ومن هنا كان استقرار كثير من التجار العمانيين في هذه الأرض مدعاة إلى الدعاية إلى الإسلام بين أهلها ، إضافة إلى أولئك الدعاة الذين كانوا يتوافدون من حين إلى آخر لغرض التجارة ، أو لغرض الدعوة نفسها ، وكان بعضهم يستقر فيها نهائياً حيث يتزوجون من أهالي الهند ، ويتخذون لغتهم وكثيراً من عاداتهم وتقاليدهم التي لا تتنافى مع الإسلام ، وبذلك كانوا مؤهلين تماماً كدعاة إباضية لنشر الإسلام في هذه البلاد وخصوصاً بين الهنديات اللاتي تزوجن من هؤلاء الوافدين ، وأيضاً بين الهنود الذين ارتبطوا معهم بعلاقات تجارية. ومما لا شك فيه أن الذي ساعد على الحركة الإسلامية الواسعة في هذه البلاد داخلا وساحلا هو ما رآه أهل تلك البلاد من أخلاق المسلمين العالية، ومعاملتهم الحسنة ، عندما بلوهم بالمصاهرة، والمتاجرة والمعاشرة ، مقارنين بين حالتهم الاجتماعية السيئة التي كانوا عليه في ظل حكم نظام طبقي يسيطر فيه رجال الدين على الناس بالاستغلال والاحتقار والقهر .. فرحبوا بالدين الإسلامي الذي لا يعترف بالطبقية في كل شيء.
وقد حظي الذين دخلوا في الإسلام من أهالي هذه البلاد بالاحترام والتقدير اللذين حظي التجار الغرباء بهما أيضا، الأمر الذي دفع بالحركة الإسلامية دفعات كبيرة بين الهنود ملوكا ورعية.
ويحرص المسلمون من الهنود على تأكيد الروابط التي تجمعهم بالتجار العمانيين الذين كانوا سبب إسلامهم ، فيقولون أنهم ينحدرون من أنجال هؤلاء التجار المسلمين الذين أقاموا في بلادهم منذ أزمنة بعيدة ، وهم يمدحون ذلك حتى في الوقت الحاضر.
نشر الإسلام في الصين
ــــــــــــــــــــــــــــــ عرف العمانيون بلاد الصين منذ القرن الثاني الهجري وذلك عن طريق التجار العمانيين الذين أبحروا في اتجاه الصين، فبلغوا منها أقصاها كما تدل على ذلك الوثائق التاريخية. ويرتبط نشر الإسلام في هذه البلاد بداعية إباضي مشهور وهو أبو عبيدة عبدالله بن القاسم العماني الملقب بأبي عبيدة الصغير تشريفاً وتكريماً، وقد وصل إلى ميناء كانتون حوالي 133هـ وتعتبر رحلته من أقدم رحلات العرب إلى بلاد الصين إن لم تكن أولها. ورد في كتاب بعنوان (موجز تسجيل الأمور الهامة المخلفة في عهد أسرة سون) تشان زون (أستاذ التاريخ بجامعة بكين): الاتصالات الودية بين الصين وعمان عبر التاريخ . وبصورة صريحة إن المبعوث لدولة ووشيون (صحار) التابعة لتاشي (العرب) قد جاء لتقديم الهدايا إلى الإمبراطور الصيني، وذلك يدل بصورة قوية على أنه عماني بلا شك.إن هذا المبعوث الذي يشير إليه الباحث الصيني لم يكن سوى الداعية العماني المعروف عبدالله بن القاسم ، وقد كان يدعى عندهم الشيخ عبدالله وكان رئيسا لمنطقة سكنى العرب والأجانب الآخرين في مدينة (قوانتشو) وقد لقبه الإمبراطور الصيني (سون سين زون) بصورة خاصة جنرال الأخلاقية الطيبة. وهذا اللقب له أكثر من دلالة دعوية فإن الشيخ عبدالله لم يصل إلى هذه المرتبة العالية بحيث تصبح أخلاقه الطيبة دلالة عليه وعلى شئ يمتاز به ، إلا لما كان يتحلى به من صفات عالية وسلوك متميز ، هي الصفات الإسلامية الرائعة ، والسلوك المحمدي المتميز، ومن المهم في الأمر أن هذا التلقيب قد تم تدوينه على يد سوشي الأديب الصيني السياسي المشهور ذائع الصيت ولا يزال المرسوم الأصلي الذي أصدره الإمبراطور الصيني (سون سين زون) محفوظاً ضمن مجموعة الشؤون الخارجية لدون باي (الإسم الثاني لسوشي) وقد عرفنا من الكتاب السجل المختصر ... الذي كتبه سوزاي (أديب مشهور أخر) من عهد أسرة سون ، وهو الأخ الأصغر للأديب سوشي، بأن الشيخ عبدالله قضى في مدينة (قوانتشو) عشرات السنين كانت له ممتلكات وافرة حتى لقد بلغ قيمتها عدة ملايين (مين)، ومن أجل أن يفهم الناس نقوم بمقارنة في الفترة التي بلغت فيها التجارة الخارجية لحكومة أسرة (شون) قمة إزدهارها ، فإن الدخل السنوي للحكومة كان لا يتجاوز مليونين (مين) ، وهذا يعني أن ممتلكات الشيخ عبدالله الشخصية قد تجاوزت دخل التجارة الخارجية السنوية لحكومة أسرة (سون)
والذي يهمنا هنا هو أن هذا النجاح المادي وراءه نجاح آخر معنوي أخلاقي ديني من علاماته الأمانة والصدق ، والسلوك الحسن ، وإلا كيف يحصل هذا التاجر العربي على تلك الرتبة العسكرية العظيمة (جنرال) لولا أخلاقه الإسلامية المتميزة تلك ، التي جعلت الإمبراطور الصيني يقدم للشيخ عبدالله عند عودته إلى وطنه الهدايا القيمة بصورة خاصة ، وهو في الحقيقة اعتبار رفيع خاص للشيخ عبدالله ، ومن خلال ذلك بإمكاننا - يقول الباحث الصيني - أن ندرك بأن الشيخ عبدالله قد ساهم بشكل بيّن وبارز في مجال تطوير الاتصالات الودية المتبادلة بين الصين وعمان.
تبلغ مساحة الصين الشعبيه نحو 9.6 مليون كليومتر مربع. تنقسم الصين اداريا الى 22 مقاطعه و5 مناطق ذات حكم ذاتي و3 بلديات تخضغ للادارة المركزية مباشرة.يقدر عدد المسلمين في الصين بنحو 3- 10%.جاء الاسلام الى الصين من الجزيرة العربية ،تسهم الجمعية الاسلامية الصينيه التى تتبع وزارة الاديان الصينية في انشاء المعاهد الاسلامية وطباعة الكتب ورفع مطالب الصين الى الجهات المعنية معظم المسلمين في الصين من الطبقه المتوسطه والفقيرة اقتصاديا بعمل كثير من المسلمين في الزراعة والتجارة يحسن المسلمون التعايش السلمي مع غيرهم وهذه شهادة باحث أكاديمي معاصر استند إلى الوثائق التاريخية التي ما تزال موجودة في الصين إلى الآن. وقد أكدت السجلات العمانية هذه الحقائق التاريخية ، حيث نقرآ أن رجلا عمانيا يدعى أبو عبيدة عبدالله بن القاسم قام بأول رحلة بحرية إلى قوانتشو في الصين ، وربما كانت هذه الرحلة إلى الصين أقدم وأبكر سجل موجود من جانب العرب. هكذا استطاع الداعية أبو عبيدة من خلال تجاربه وتجارته وأخلاقه الإسلامية العالية أن ينشر الإسلام سواء على يديه أو على يدي زملائه من التجار العمانيين الآخرين الذين قصدوا الصين ، إذ نجد الشماخي يذكر في (سيره) عالماً عمانيا آخر وصل هذه الديار وهو النظر بن ميمون ، ويقول عنه أنه كان من خيار التجار المسلمين. وقد وصل العمانيون بمتاجرتهم إلى أقصى شمال الصين، إلى مدينة قانصوا وبلاد الشيلا التي يعتقد أنها بلاد كوريا الآن واليابان. وتوغلوا داخل البلاد حيث كانت بعض الموانئ الصينية لا تقع على الساحل الذي يطل على بحر الصين أو المحيط الهندي مباشرة.
واستمرت رحلات العمانيين إلى ميناء كانتون الصيني، حيث كان لهم وكلاء عديدون في هذه المدينة وغيرها من مدن الصين التي فتحت أبوابها لتجارتهم ، فكانوا هم الذين قاموا بمعظم النشاط التجاري مع بلاد الصين في القرن الثالث الهجري بصفة خاصة. وبما أن التجارة هي المحك الدقيق لواقعية الإسلام ، وبروزه اليوم من خلال التعامل المالي والتجاري، فإن العمانيين كانوا يمقثلون بأخلاقهم الإسلامية العالية رسالة دعوية عملية إلى جانب دعوتهم إلى الإسلام وتطبيق تعاليمه في تلك البلاد، ومن هنا فقد كان لتجار عمان الرياسة للعرب والمسلمين في (كانتون) على النحو الذي رأيناه مع أبي عبيدة الصغير حتى لقبه الإمبراطور الصيني (جنرال الأخلاقية الطيبة) ... وهذا كان نتيجة طبيعية لما اشتهر به هؤلاء التجار من حميد الصفات، وجميل السجايا. ولم يكن تجار عمان ممن يتصفون بالأنانية ، والجشع أو الحرص أو الشح، كما أنهم كانوا يندمجون مع آهالي البلاد التي يتاجرون معها، ويحاولون بشتى الطرق كسب ودهم ومعاملتهم معاملة طيبة ، مما كان يؤدي بلا شك إلى إعجاب الصينين بهم وبأخلاقهم التي كانت تتمثل في الأمانة والصدق بدرجة كبيرة. .
أندونيسيا وما جاورها
ـــــــــــــــــــــــــــــــ: سبق أن أشرنا إلى الوجود العماني في الهند والصين ، وسبق أيضا أن أشرنا إلى أن وجود العمانيين في الصين كان منذ عهد مبكر ، أي منذ رحلة الداعية أبي عبيدة الصغير سنة 133هـ. وهذا يقود حتما إلى عدم الشك في وجود العمانيين في الجزر والبلاد الواقعة في المسالك البحرية ما بين عمان والصين مثل سيلان (سريلانكا) ومالديف، وجزر الملايو، وأندنوسيا، وغيرها من البلاد الموجودة في هذه الأنحاء ، وقد أكدت الوثائق ذلك.وكان من الطبيعي أن يؤدي هذا الوجود المكثف إلى إنتشار الإسلام في هذه البلاد مثل سومطرة وجاوة حتى بورنيو وجزيرة سليبس.
وهناك إشارات تدل على تأثر (جاوة) بالتجار العمانيين ، حيث عثر على مساجد أثرية قديمة كثيرة العدد بغير زخارف، مما يدل على أنها من بناء التجار العمانيين ، أو على الأقل متأثرة بالطابع العماني في بناء المساجد وهو طابع معروف ببساطته. وكان العمانيون قد قدموا تجارا رحالين أو مستقرين إلى سومطرة حيث بنو المستوطنات والمراكز التجارية، وقد يكون التجار المقيمون من قبل في سواحل الهند هم الذين أقبلوا إلى سومطرة. وقد استجاب أهل أندنوسيا للإسلام وحافظوا على تقاليده، وقد ظهرت الاستجابة في الثقافة العربية التي أصبحت مستخدمة عندهم ((فقد انتشر مفردات وكلمات عربية كثيرة في لغاتهم مثل اللغة الاتشهيليزية، وهي إحدى لغات سومطرة التي استعملت الأبجدية العربية أثناء تحولها من لغة شفوية إلى لغة مكتوبة)) . وكان طبيعيا أن تكون هذه المفردات تتعلق بالدين الإسلامي الذي حرص العمانيون على نشره في تلك البقاع. ويقال إن إسلام مملكة (سوكدنه) كان على أيدي العرب وإن هؤلاء العرب أتوا من سومطرة ، ولما كان العمانيون يشكلون أغلبية العرب الذين كانوا يعملون بالملاحة والتجارة في هذه الجهات ، فإن المرجح أن التجار العمانيين هم الذين كان لهم فضل تحويل مملكة سوكدنه إلى الإسلام ، كما أدخلوه إلى الجزيرة ملوكس التي كانوا يجلبون منها الفلفل الذي يوجد في أراضيها ، وخصوصا في جزيرة (ترنات) التي اعتنق أهلها الإسلام ، وكان سلطان هذه الجزيرة كما يحكي البرتغاليون أول زعماء ملكوس دخولا في الإسلام على يد أحد التجار المسلمين.
وقد عمت الدعوة الإسلامية بفضل نشاط العمانيين حتى بلغ جزر الفلبين، وهذا يدل على أن العمانيين لم يكونوا تجاراً وحسب، وإنما جاؤوا دعاة للدين الإسلامي قولا وفعلا.
الاشتراك في:
تعليقات الرسالة (Atom)
إرسال تعليق
إرسال تعليق