أحببت الأهوار أكثر من أي منطقة، أحببتها من حكايات جدي وأعمامي، لكونها مسقط رأسهم. كانوا يقولون : أنها مصدرا للخيرات، والثروات، والجمال الذي تعجز اللغة ان تحيط به.. المياه المتدفقة فيما بين بيوت القصب، والخضار الذي يمتد إلى ما وراء النظر، إضافة إلى الفطرة التي يتميّز بها اَهلها، الفطرة التي رأيتها بسلوك جدي، وأقاربي، وجيراني الذين سكنوا مدينة الثورة بعد مجيئهم من الأهوار. كانت حكاياتهم رائعة، لدرجة تتوقّف عن الكلام قبالها، تسمع ولا يوقضك إلا إنتهائها. وجمال الحكايات آت من جمال البيئة بالطبع.
قرأت كتب كثيرة عنها، ربّما ان أفضل كتاب شدَّني لها، هو عرب الهور لـ "ولفريد ثيسيغر" الذي ترجمه للعربية الدكتور سلمان كيوش، وكذلك كتاب كاڤن يونغ بترجمة الدكتور حسن الجنابي. كانت كتب رائعة، حتى تتصوّر ان البريطانيَّين أحبوها أكثر من بعض العراقيين أنفسهم!، بقي ولفريد ثيسيغر بالاهوار لثمان سنوات، عاش حياتهم، ولبس العقال معهم، وجلس في فصولهم ونزاعاتهم العشائرية، حتى عشق الأهوار عشقا تقرأه فيما بين سطور كتابه الرائع.. وحين مات نعته الإذاعة البريطانيّة بهذه الكلمات : "مات صديق الأهوار .. مات صديق العراق!".
كتبت وثائقي عن إرث العراق النابض بالحياة، وزرتها لأكثر من مرّة، وبين فترة واُخرى أعود إليها بشوق، وحنين أكبر. أتذكر انني حزنت كثيرا في زيارتي الأخيرة، خصوصا حين رأيت قلّة الماء، وتذكرت جريمة صدام البشعة في التجفيف، وفي ذات الوقت تمنيت ان تلقى اهتماماً يليق بجمالها وبتاريخها الضارب بالقدم، ومكانتها في الإرث الإنساني الجامع.
فرحت جداً حين قرأت خبر دخول الأهوار في التراث العالمي.. نعم هذا أفضل إنجاز حقيقي يجعل أفئدة العراقيين ثملة من السرور.. نتمنى ان تستمر هذه الأخبار خصوصا في تقدّم الدولة وبنائها.
شكراً لكل من شارك بإتمام هذا الإنجاز، مع أمنيتي في ان تعمل الحكومة على تطوير الأهوار، لأهميتها الجغرافية والتأريخية، والجمالية.
- مبارك لنا
إرسال تعليق
إرسال تعليق