قصة قصيرة
ترانيم وسادة
كان اكبر لعنة ممكن ان تصيبها هو الخوف حين تلتزم الصمت في ضجيج الزحام وهي تنزوي تحت ظلال عالم الامس ، حتى الشجاعة اصبحت عبئا ثقيلا على كاهلها . حياة طويلة مضنية وطريق امتلأت بالعثرات ، بحكمتها جعلتها درب نور لعوالم نسجتها مخيلتها .
كانت تؤمن ان قلبا واحدا يعشقها يكفيها ان تستمر في العيش ، والدنيا دائمة الدوران فكل شيء في الاخر سيعود لها .
جسدها قريب من التعفن ، ذهب اخضراره ، وذاكرة قوية مريرة تشعرها انها اشقى من في الارض .وسعادتها الكبرى هو حديثها مع الوسادة .
لم يكن من السهل اقناعها ان تترك دارها وتنتقل للعيش مع ابنتها الصغرى . اخذ العمر منها مأخذه .. اصابها الضعف في كل شيء حتى انها اصبحت اقصر في قامتها ، ونظرها اصابه الوهن كما هو جسدها النحيف لدرجة انها بدأت تتلمس الاشياء ان ارادت اكتشاف ماهيتها .
- مالك ياامي حتى الناس بدأت تثرثر يتصورون اننا غير راغبين ان تعيشي معنا ، ارجوك تعالي لداري هناك حيث احفادك الذين يحبونك وتحبينهم .
كانت تتحدث الى والدتها بتوسل وبصوت يكاد تشعر معه بسقوط الدموع من العين
- ااترك ذكرياتي !؟ داري !؟ مازالت صوركم معلقة حفظتها العيون ذكريات تكدست بهذا الدار ، جدرانه تكتب سطورا جميلة رحلت دون عودة ، واخرى تعيسة تشبثت بالذاكرة ..
اسرتكم مازالت تحوي دفء حكاياتكم .. وهو بيتي وتاريخي وقدري ومقامي هو امجادي .. هنا كبرتم ومن هنا رحلتم .
- اه حين كنت صغيرة كم تمنيت ان اكبر لأعرف اكثر عن هذه الحياة ، وحين كبرت تمنيت العودة صغيرة بين جدران هذا الدار .. دخلت سوق الحياة فوجدت اشياء عجيبة ورهيبة ، يا امي حتى ذكرياتي اصبحت تأتي على هيئة وجع .. اصبحت لا اعرف اي الطرق ساسلك لذلك تعالي معي .. لايهمني اي طريق سنسلكة ما دمنا معا . تعالي نفتش عن حنايا ضحكات وسعادة سرقناه معا انا وانت من الزمن .. يا امي ساجعل من صدري لك وسادة
- في صدرك احلام ليست كما هي احلامي ! وسادتك لن تدعني انام ! اه تذكرت لن اخرج من هذا الدار ان لم تكن معي وسادتي !
- صدقيني جلبت لك وسادة جميلة وافضل من تلك القديمة التي معك
صرخت بصوت عال وسادتي اريدها ولا اريد تلك الجديدة ، حين افتقد للامان خارج داري ساحتضنها ..
- حاضر ، حاضر هذه هي جلبتها معي .. هل تعلمين يا امي بأحضانك اودعت كل همومي ، انيستي انت جليستي وسادتي وفراشي ، نسمة بين مدي وجزري واول عشق بحياتي حتى حين انظر الى عينيك اشعر باكتمال انوثتي ، كنت صبرا وايثارا وتسامحا وقوتي يوم ضعفي .. مالي اراكِ تريدين الان التخلي عني !؟
ردت عليها بصوت جهوري وغضب
- من قال ذلك انا كل ما طلبته ان ترافقني وسادتي ! انا ووالدك رحمة الله كنا نضع عليها رأسينا هل تعلمين يا ابنتي كم من شعر اسود ورمادي والان ابيض حملت تلك الوسادة .. كم من حكايات لاتعرفها سواها ، عالم اسراري ، حملتني سنوات طويلة منخورة بالوجع ...
- حاضر والله جلبتها معي تلمسيها جيدا .. هيا فلنذهب حيث عصافيرك ينتظرون بشوق لتعيشي بينهم
- نعم هم عصافيري التي تغني شيخوختي
ضحكت البنت بصوت عال وقالت لامها
- مازلت شباب ياحبيبتي
- هه شباب انا الان في الثمانين من عمري .
فرح الاحفاد لتواجد جدتهم معهم وحكاياتها التي لا تنتهي رحلات ساحرة لبلاد عجائب رحلات بين نور ونار واكثرها سحرا كانت عن الوسادة ! كانت تخبرهم ان الوسائد تحمل رسائل كثيرة وكل الذي لا تستطيعون البوح به اخبروه الى الوسادة فهي كاتمة الاسرار ولن تمل منكم .. انها تحكي اجمل الحكايات ، وتحت الوسادة تتنهد الامنيات .. واحلام لا يرويها سوى القمر .
كان الاحفاد يصغون لجدتهم بشغف كبير لكنهم ايضا كانوا يلاحظون ان الجدة لاتفارق وسادتها اينما ذهبت !
اخذوا ينسجون حولها حكايات كحكايات جدتهم اخبرهم الحفيد الاكبر ان في الوسادة سر كبير علينا ان نكتشفه لعل جدتي تضع كنزها هناك ! ماذا لو باغتناها وفتحنا تلك الوساده لنعرف ماهو هذا الكنز ؟
سألوا جدتهم يوما ماهو سر وسادتك جدتي ؟
- لم تفهموا هذا السر الا حين تكبرون .. انها يا اولادي وطني وأمي مع كل حكاية ألم وحكاية جديدة الوذ اليها .. كنت بنتا في العشرين من عمري حين احتضنتها لاول مرة بنتا تحلم بفارس وفستان ابيض .. كم من اسماء طرزتها على هذه الوساده ..
يا احفادي الصبيان هل تشكرون وساداتكم حين تنهضون في الصباح !؟
- لا ياجدتي لم نفعل
- عليكم ان تشكروها فهي تجلب لكم اجمل الاحلام وتغني لكم وقت المنام
- حاضر يا جدتي سنشكرها كل صباح
سألها حفيدها الاكبر كان رقيقا وسيما ولم يتجاوز الخامسة عشره من عمره ويعشق ابنة الجيران .وبين لحظة واخرى يغادرهم الى سطح الدار لعله يحضى بلقاء من يحب ..
- جدتي اسألي وسادتك ماهو الاصعب في العشق
- حبيبي ان الصعوبة والشقاء هي الغيرة في العشق
- جدتي وما هو الاصعب ؟
- الاصعب ان لا يغار عليك من تعشق ! لانه ببساطة لا يعشقك .
خطط الاحفاد لخطة محكمة فجدتهم لديها طقوس غريبة حين تريد الاستحمام ! تاخذ اغراض حمامها الغريبة اوراق الشجر اليابس وصابون اخضر وليفة غزلتها بيدها وحجر اسود مخرم ومشط من الخشب ومكحلة من الفضة وايقونة عطر من ماء ورد .
ما ان دخلت الحمام حتى اقتنصوا فرصتهم وذهبوا مسرعين الى الوسادة جلبوا معهم المقص ليقصوا خيوطها العتيقة ، فتحوها مسرعين ، تطاير الريش منها وهم يغوصون بداخلها فهي كبيرة الحجم ليست كما هي وساداتهم الصغيرة تطاير الريش في ارجاء الغرفة فهم لم يشاهدوا من قبل وسادة بريش قال احدهم كم دجاجة تتصورون في هذة الوسادة ؟ رد عليه اخاه الاصغر لعله حقل دواجن ! اخذ الكل يضحك وهم يتلمسون كل ركن من فيها دون جدوى وفي غفلة منهم وجدوا جدتهم فوق رؤوسهم تقف .. تسمر الاولاد رعبا حينما شاهدوا الجدة قد اصفر لون بشرتها واصبح كما هو لون التراب وضعت الجدة يدها على منطقة قلبها وهي تتمتم
- لم اكن اخش الموت يوما لكن سر حياتي كان بهذة الوسادة فهي تاريخي وعنواني .
سقطت الجدة على ارض الغرفة اخذ الاولاد يتباكون ويصرخون جدتي ارجوك سنلملمها لك سنعيد كل ريشة طائرة لمكانها ارجوك جدتي عودي الينا ...
فتحت الجدة عينيها ونظرت اليهم بغضب ان فعلتموها مرة اخرى ضعوها في قبري وبين جسدي وكفني اما الان دعونا نلملمها سويا ونجمع الريشات ونصنع لنا وسادة جديدة بحكايات تجمعنا معا .
منى الصراف / بغداد
6/6/2016
إرسال تعليق
إرسال تعليق