الحمل والطفل
pregnancy

0
أنـا والصَّـدى
وأنْتَ أَمــــامي أُفـكِّــرُ فـــيـكْ || وَأنتَ وَرائـي أُفــكِّــرُ فـــيكْ 
وأنتَ تُحـيــطُ بكلِّ خُــطـــايَ || وفي كُلِّ نَبْضي أَنا أَلْـتَـقـيكْ 
هــواجِـسُ نفْسي تَدورُ عــليكَ || ومُــنذُ الطُّـفـولَةِ إِنّي أَعـيـكْ 
أراكَ تُحَــــوِّمُ فــوقَ خَـيالِي || وتَرْسُمُكَ الشّمسُ فوقَ الشُّكوك 
فأنْظُــرُ نَحــوَ السَّمـاءِ مَــلـِــيّا || لعـلّي أراكَ كَــمـا أرْتَجـــيـك 
ولكنْ أَرى الشّمسَ تَبهَرُ عَيني || وما كانَ يُبْديكَ صارَ يَقــيك 
****
رأيْتُــكَ يــومـاً أمــامي تَسـيرُ || بَعــيدًا بعـيدًا ولَمْ تَنْـتَظِــرْنِي 
فأسْرَعْتُ خَلفكَ كَالبَرقِ أعْدو || أُناديــكَ: مَهلاً! فَلمْ تَسْتَمِعْـني
وما إنْ دَنَوْتُ وقُـلتُ وصَلْتُكَ || حَـتّى اخْتَـفَـيْـتَ ولَمّا تُجِـبْـني 
فهــلْ أنتَ تسْـمعُ ماذا أقــولُ || أتَسمَعُ صَوْتِي ولَهْــفةَ عَــيْني 
أتسْمعُ نَجْوى فُؤادي الشَّغوفِ|| أتسمعُ روحي ونَفْسي وذِهْني 
وهـــلْ أنتَ فِيَّ ولَسْـتُ أراكَ || وهــلْ أَنـا فـيكَ أُفـتِّشُ عـنّي؟!
****
لقدْ صَدِئَتْ بِالْحَوادِثِ نفْسي || فَروحي تَئِنُّ وصَــدري يَضيقْ 
وأنْظُرُ حـوْلِي لعَـلَّ صَديقاً || سيَسْمعُ صوْتِي، وَما مِن صَديقْ 
أُحَــدِّقُ فــي كُلِّ وجــهٍ أَراهُ || بِلَهْــفَةِ طفْــلٍ أَضاعَ الطَّــــريق 
وأرْجو التَّعَــلُّقَ منْهـا بِشيءٍ || كَـمــا تَتـعـلَّـــقُ أيْدي الغَـريــقْ 
ولكنْ وجــدْتُ التَّشبُّثَ شَيْـئاً || بَعـــيـدَ الْمَـنالِ وَمــا لا أُطــيـقْ 
ولَمّا يَئِــسْتُ وكِدْتُ أَغـوصُ || وجَــدْتُكَ تُشْـعـلُ فِيَّ الْحَــريقْ!
**** 
فقُــلْ لِي بِرَبِّكَ مِنْ أيْنَ تَأْتِي || وكــيفَ تَجيءُ بِغــيْـرِ انْتِـظـارِ 
لِماذا أَتَيْـتَ وأيْقَـظْتَ روحي || وَأَجَّجْتَ عزْمي وأشْعلتَ ناري 
وكيفَ عـرفـتَ بِأنّي أُعـانِي || وكيفَ أتَـيـتَ إلَى عُـقْــرِ داري 
وكيفَ أضاعَـكَ مَــرُّ السّنينِ || وكـنــتُ نَسـيـتُـكَ بـعـــدَ ادِّكارِ
فكيفَ احْتفظْتَ بذاكَ الـوَفاءِ || ولَمْ تَنْسَ وَجْهـي بذاكَ الغِمارِ؟!
قَرَنْتَ الوَفاءَ بِدهْــرٍ عَصيبٍ || فـفِعْــلٌ عَظيمٌ وحُسْنُ اخْتِــيار!
****
أَسيرُ ـ وأنْتَ مَعي ـ مُطْمَئِـنًّا || كَأنّي وُلــدْتُ بِعـــمْــرٍ جَــديـدْ 
ومَهْما اكْفَهرَّتْ وُجوهُ اللَّيالِي || فلَسْتُ أخافُ الدُّجــى والرُّعودْ
ووَجهُكَ نَجْمٌ ثَوى في خَيالِي || وفي أفْـقِ عَـيْني يَشُـقُّ السُّدودْ 
إِلى أنْ أَتى الفَجرُ والدِّفءُ فيهِ || وبَسْمَةُ شَمْسِ الصَّـباحِ الوَليدْ 
وقَـبْـلَكَ ما كُـنتُ أبْصِرُ شـيْئاً || بِهــذا الْجَـمـالِ النَّـقيِّ الْفَـــريدْ 
فعُـمْري جَديدٌ وعـزْمي حَديدٌ || وَدَرْبِي أَكـيدٌ وخَـطْــوي رَشيد 
****
وأنْظُرُ حوْلِي أَمامي وخَـلْـفي || لعَــلّــي أَراكَ كَلَـمْــحَـةِ نــــورِ 
أُحِــسُّ بأنَّـكَ تَـمْــلأُ عَـــيْـني || وأنَّكَ تَأْسِــرُ كُـلَّ شُـــعــــوري
ولكنْ عَشــيـتُ فلسْــتُ أَراكَ || وأنْتَ القَــــوِيُّ بِهــذا الْحُضورِ 
أُريدُ التّحــقُّــقَ مِـنْـكَ عَــيـاناً || لأَهْــزِمَ شيْطانَ شَكّي الْمَـــريرِ 
لأُوقِــنَ أنَّكَ مـا كُـنْــتَ تَنْسى || وتَغـفَلُ عنْ صَرْخَةِ الْمُسْتَجيرِ 
وهلْ يَطْـمَـئِـنُ الْفَــتى لِنَعــيمٍ || يُشـاغِـلُهُ عَـنْ خَــفِيِّ الْمَـصيرِ؟! 
****
تَوَدَّدَ لِي صاحِـــبٌ وقَــريـبٌ || وكُـنْتُ سَعــيـداً بِهــــذا الــوَدادِ
فَـهـذا صَديقي وهذا ابْنُ أُمّي || أَراهُــمْ يُحِـسّونَ نَبْــضَ فُؤادي 
وَليْسوا يَغـيـبونَ عنيّ فأَشْكو || ولَـيْسوا يُطيــقونَ يومَ ابْتِعـادي 
ولكنْ مَشَـيْـتُ طريقَ الْحَــياةِ || فغـابَ الرِّفــاقُ وَضَلَّ اعْتِقادي 
وأصْبحْتُ وحْدي بأرضِ فَلاةٍ || أنا مَــنْ أَرى وَأَنــا مَـنْ أُنادي 
وأنْتَ الوَحيدُ الذي صانَ وُدّي || فَـفـــقْـدُكَ ليسَ كأَيِّ افْــتِـقــادِ!
****
وَما كنتُ أنْسى زَمانَ السُّرورِ|| ولَهْـفَـــةَ نَفْـسي بِذاكَ الصَّـفــاءْ 
كأنّي أُريدُ اغْــتِـرافَ الْحَــياةِ || بِحِـسّي وَروحـي صَـباحَ مَسـاء 
وأمْشي كأَنّي بِطــولِ الْجِبالِ || وأَحْـــيـا كأنِّيَ فـــوقَ الـفَـــــناء ْ
وَكِدْتُ هُــناكَ أَضِلُّ الطَّريقَ || ويَغْفـو ضَميري وَيَطْغى البَلاءْ 
إلَى أنْ رأَيْتُـكَ تَسمو بِفِـكْري || وَتوقِــظُ فِـيَّ صَــدى الكِـبْـرِياء 
وتَدفَعُني في طريقِ الصُّعودِ || لأَمْشي ورَأْسي يَطــالُ السَّـمـاء 
****
لوامِــعُ منكَ تَلــوحُ وتَخْــفى || ولــكـنْ يَظــلُّ سَناهــا مُــقــيــما 
تَرى (عـينُ ذاتِي) مَنارًا بِها || فـيَهدي الغَريبَ ويَشْفي السَّقيما
ويَحْمي مِنَ الغَيِّ،مِنْ شَرِّ دُنيا|| معَ الشَّهدِ دَوْمــاً تَدُسُّ السُّموما 
وَتَسْقــيكَ كأسَ السُّرورِ ولكِنْ || تُميتُ الـوَقارَ وتُغــوي الْحَكيما 
فهــلْ أنْتَ مِنْ عــالَمٍ لا يَزالُ || نَقِـيَّ الضّميِر، مُحِـبًّا حَـمـيما؟!
أَفيضوا عَليْنا مِن الطُّهرِ شَيئاً || فــرُبَّ بَغِيٍّ تَصـــيـرُ حَـشيما!
****
وأنتَ أمــامـي أُفـكّــِرُ فــيــكْ || وأنتَ وَرائــي أُفـــكّـرُ فـــــيـكْ 
خَـفــيتَ عليَّ وَلِي قدْ ظَهرْتَ || وإِنَّكَ لِــي في حَــياتِي شَريك 
ولَسْــتُ أراكَ ولــــكــنْ أَراكَ || وأنْتَ لـــــــديَّ ولا أدَّعـــــيـك 
ولكــــنْ بِرَبِّــــــكَ لا تَـبْـتَــعِدْ || وَلَـــب ِّ نداءَ الذي يَرْتَـجـيـــكْ 
وإنّي أَجــوزُ صِراطَ الْـحَـــياةِ || وأسْعى إلـــيكَ لكيْ ألْـتَـقـيــك 
فكُنْ في ضَميري وكُنْ في حَياتِي || وكُنْ في سَمائي فأنْتَ الْمَليكْ!. 
*****
[من المجموعة العاشرة، ديوان: (تقاسيم على مسيرة الزمن) دار أمواج2014م ـ ص31 ]

إرسال تعليق

 
Top