حركات الأولاد والبنات/ الجزء الثالث ٠٣/ ١٠
( من العشرة للعشرينات ).
إخواني وأبنائي وأهل محبتي.
بِسْم الله والصلاة والسلام على رسول الله.
٢٧ / ٠٦ / ١٤٣٧ هـ.
أبناءنا - والتربية المهنية -
مما علمونا منذ الطفولة على مقاعد الدراسة الإبتدائية ( صنعة في اليد أمان من الفقر ).
وقد كان فيما مضى من الزمان هاجس الأسرة الأول هو.
تعليم الولد الصنعة.
وتعليم البنت المصنعة.
والمصنعة أصلاً في اللغة هي البئر التي تبنى من الحجارة ليتجمع بها مياه الأمطار ويستفاد منها للسقي والرعي بدلاً أن تذهب المياه سدى.
وفي اللهجة الحجازية تعني صاحبة القدرة على إدارة البيت ومساندة زوجها والقيام بواجب الأسرة.
وهكذا كانت البنات تدرب وتربى لأن تكون لديها مصنعة ( بسكون الصاد وفتح النُّون ) أي مدبرةً لبيتها ترعاه وتجمع بها الخيرات لتستفيد الأسرة منها.
فالذي ليس لديه صنعة والتي ليس لديها مصنعة يطلق عليهم (عويل وعويله ).
وما أدراك ما عويل أو عويلة. طبعاً باللهجة الحجازية الدارجة ورغم ذلك هي مشتقة من عائل وهو النبات الذي يعتمد على نبات غيره ينمو معه ويلتف عليه ومن معانيها ( الفقير ).
على أي حال كانت كلمة عويل أو عويلة كافية لأن تهز الكيان هزاً وتحطم الإنسان في ذلك الوقت تحطيماً.
فلا أحد يزوج عويل ليس لديه صنعة ولا يتزوج عويلة ليس لها مصنعة.
بل يعيشون منبوذين على هامش الحياة ويكونوا في عداد الناقصين عقلاً ومكانة وليس لهم دور في المجتمع وربما كانوا عبئاً على العائلة بأكملها.
بل ربما لحق العار والذل بالأسرة التي لديهم ابن عويل او إبنةً عويلة.
فلذلك تهتم الأسرة بأبنائها في هذه السن المبكرة لتعليمهم الصنعة والحرف التي تمكنهم من العيش من خلالها وتضمن لهم تحصيل الرزق والسعي في الحياة الكريمة السعيدة.
واليوم سواءً الأولاد أو البنات فيجب أن يكونوا أصحاب صنعة ومصنعة أو على الأقل واحدة منها.
أما كونهم لا يكونوا أصحاب صنعة ولا مصنعة فهذا مرفوض منهم في كل زمان ومكان.
فكم ممن يحملون شهادات ولديهم معلومات ولكن ( لاصنعة ولا مصنعة تجعلهم مضيعة ).
وإنطلاقاً من قاعدة تربوية أخرى من قواعد التربية في الزمن القديم وهي.
( العلم في الصغر كالنقش على الحجر ).
بمعنى أن ما يتعلمه الطفل في مرحلة الطفولة يكون فاعلاً وثابتاً ثبوت النقش على الحجارة التي لا تستطيع إزالتها العوامل الطبيعية التي قد تعترضها في الحياة.
ولقد كانت مرحلة الطفولة هي الفرصة التي يمارس فيها الأهل تعليم الصنعة والحرف المهنية المختلفة لأبناءها إنطلاقاً من هذه القاعدة.
وذلك لما لدى الطفل من نقاء وصفاء ذهني وحماس في محاكاة الكبار وطاقات جسمية وحركية إذا لم تجد من يوجهها إلى الخير فإنها ربما توجهت إلى إنحرافات سلوكية وخلقية لا تحمد عقباها.
وحتى مع زمن إنتشار التعليم المنهجي وإفتتاح المدارس النظامية لم تهمل الأسر هذا الدور في تلقين الصنعة لأبناءها.
فلقد عشنا هذه المرحلة حيث كانت الإجازات والعطلات أو ربما الفترة المسائية فرصة ذهبية للطفل في تلقينه الصنعة والعمل اليدوي والمهن المختلفة.
وقد كانوا يوجهون إلى الورش المهنية أو المصانع الحرفية أو المتاجر والشركات والمؤسسات التجارية لممارسة الحياة العملية ولتلقي علوم الصناعة هذا إذا لم يكن لدى العائلة تاريخ مهني.
أما إذا كانت لدى العائلة مهنة أو حرفة تمارسها عبر الأجيال متوارثة من الأجداد وهو حال معظم العوائل في ذلك الزمان.
حيث أن لكل عائلة المهنة التي عرفت بها وتلقنها لأبنائها وتحرص على المحافظة عليها وتطويرها من زمن إلى الزمن الذي يليه.
عملاً أيضاً بقاعدة تربوية اخرى كانت سائدةً ومتعارف عليها في المجتمع وهي.
( صنعة أبوك لا يغلبوك ).
بمعنى أنه من العار عليك التفريط في مهنة وصنعة العائلة التي توارثتها من الأجداد.
ويتحتم على الجميع التمسك بصنعة أجداده ويعلمها لأبناءه لأن ضياع الصنعة يعني ضياع العائلة.
لعله من المفيد والهام في التربية السليمة المتوازنة للطفل في هذه السن العمرية الذهبية أن يحرص الوالدين أو المربين على تلقينهم الحرف والمهارات غير المنهجية التي تفيدهم في حياتهم مستقبلاً.
مع مراعاة ميول الطفل وهواياته نحو المهنة التي يوجهون إليها.
ويكون ذلك عن طريق جهات ومنشآت أخرى غير المدرسة التي غالباً ما يعتمد عليها الكثير منا إعتماداً كاملاً في التربية للطفل.
وهذا في رأيي سبب الكثير من تعطيل قدرات أطفالنا وجعلها أسيرة المعلومات والحفظ المجرد في كثير من الأحيان من الفهم والتطبيق في واقع الحياة.
فكثير من المعلومات يتعلمها الطفل لاتفيده في حياته العملية.
وكم من معلومات يحتاجها الطفل في حياته ومستقبله لا يتعلمها إلا من واقع الحياة ومن التجارب التي ربما تكون في كثير من الأحيان بعد فوات الأوان.
بل ربما كانت بعد تجارب مريرة قد يتعرض لها في حياته وتكلفه الكثير من الخسائر والأضرار التي لو كان قد مارسها وتدرب عليها وهو طفل لتعلم خبرات ومهارات تجنبه الوقوع فيها.
((علموا أولادكم فإنهم خلقوا لزمان غير زمانكم )).
من القواعد التربوية التي حرص عليها المجتمع وينبغي علينا أن نفهم معانيها ومايجب علينا أن نفعله مع أبناءنا لضمان مستقبل واعد لهم بإذن الله تعالى.
وتبقى الصنعة سيدة العالم وسيدة الإقتصاد وسيدة المال والأعمال.
والتجارة هي الحياة لأن تسعة أعشار الرزق في التجارة.
فأي تعليم كان لابد معه من فكر تجاري وإلا لن يؤتي بنتائج مجدية ومستمرة العطاء ودائمة.
الفكر التجاري لا يأتي إلا بالتربية التجارية المبكرة.
والفكر التجاري هو عمود الأمة والمجتمع.
والفكر التجاري هو عَصب المال والْبَنُون اللذين جعلهما الله تعالى زينة الحياة الدنيا.
( المال والْبَنُون زينة الحياة الدنيا ) كما قال تعالى.
عندها أدرك حكيم الزمان الأذان.
فأمسك عن الإفصاح والتبيان.
وإلى اللقاء القادم رعاكم الله تعالى. 💚
صديق بن صالح فارسي.
إرسال تعليق
إرسال تعليق