الترابط المعنوي والنسيج الشعري
في قصائد الشاعرة ((لمياء المجيد
أياد النصيري-العراق-18-7-2017
القارئ المتأمل لنصوص الشاعرة(( لمياء المجيد)) يدرك أنه أمام شاعرة مختلفة، تقدم لنا وعيها الخاص بطريقتها الفنية الخاصة.حيث صدر لها ديوان شعري بعنوان (حين حررت صمتي) حيث وجدت في بعض نصوصها الشعرية قصائد ذو قيمة جمالية وعرفت إن لغتها الشعرية لغة متماسكة وأدواتها--ولديها معجمها اللغوي المكثف بالمفردات مشدودة إلى بناء جماليات جديدة --حيث عليها أن تحارب تدريجياً لكي تؤسس وجودها وتحجز لها مكاناً في الإطار العام
ربما كان الجديد في هذه النصوص الشعرية تمثل في جزئية العلاقة بين الألفاظ وطريقة ضم الألفاظ إلى بعضها، فالعلاقات بين ألفاظه علاقات جديدة غير ممهدة فالثابت ـ علمياً ـ أن ألفاظ اللغة ـ أية لغة ـ لا تستطيع أن تستقصي الأحاسيس التي يمر بها الفرد العادي فضلاً عن المبدع، ولهذا وجدت الاستعارة والمجاز وجاءت التراكيب الجديدة، لكي تفتح الباب واسعاً أمام الشاعرة
والشاعرة المبدعة هي التي تستطيع أن تفتح الباب لتوليد الدلالات في اللغة، وتستطيع أن تسهم في إنتاج عبقرية اللغة ونموها، من خلال ربط المجالات أو الألفاظ البعيدة في سياق شعري واحد، وهذا السياق الجديد يجعل الدلالة هلامية وغير محددة وهذا ما نجده قصيدتها (نزيف)
*************************
شدو وثاقك
كتموا الصوت
أيتها الكلمات
مُدي حركاتك
فكي وثاقك
سافري في المدى
تمسكي بخيوط الشمس
عانقي القمر
إعصري زيتونا أسود -أخضر
تلذذي كأساً
إصرخي
يسترسل الصوت
***************
كم هي صعبة تلك المهمة التي تقوم بها الشاعرة في اخراج الزمن من ثقبٍ يغور في ابعاد الوجود لأجل مكانٍ يحتضر , انها مهمة صعبة حين تبحث الشاعرةعن علاقة عكسية موجبة بين الزمان والمكان كون موضوعة التجاذب والتنافر ما بين العنصريين بُنيت تحت اسقاطات المكان على مسار المفردات الاكثر حساسية المنتجة مقود الشاعرة التي تتحكم عبره بما يعطيها الزمن خلال الحوار. العطاء قدرة عظيمة لكن الزمن لا يمنحها ببساطه إلا إن الشاعرة(لمياء) على ما يبدو هي وحدها من تستطيع ذلك فقد حاولت الشاعرة ان تخلق المناخ المضطرب عبر محاولتها الجريئة ففي احدى قصائدها تؤكد ذلك الفعل في (أنا شمعة)
***********************
أنا شمعة إحترقت
شيدت أوهاماُ في الأفق
سبحت في بحر حلمت
رقصت أسواراً من الورق
الورق-يتبلل
السور يتهاوى
كما تسقط الحضارات القديمة
على مشارف المدينة
لم تتبق غير الأطلال
عن ملاحم الأبطال
**************
حيث ترصد الشاعرة كل محفزات و مؤسسات القول الشعري لتلتصق هوية الشاعرة بالبناء القصيدي في بدايته متغلغلة في ثنايا الوجدان بحرارة شاعرية في عمق الذات المتوهجة بطعم الجمال و احتواء الكلمه في معسكر الشعر بعيدا عن التصنع لتحجز لنفسها مساحة في حيز القصيدة و الاشتهاء الممزوج باللاوعي فتتصاعد درجة الشاعرية بالتوازي مع هوية الشعر في صور جميلة
ان احالات الفانتازية البكائية , أو حالة الهذيان التي تمر بها الشاعرة تأخذها الى حالات اللاوعي في طقوس الكتابة , لتأتينا بكل ما هو مدهش , وليست الفانتازيا للهو بالجراح , أو الهروب من الواقع في عالم (لمياء) الشعري , ولكنها مركب النجاة , حيث يجتمع الوعي باللاوعي والواقع الهش المتغير في رحلة صوفية لمست اغوارها واشرعت روحها وتضاريسها للمدى على عجل
إذا كان الشعر افتتانا بالكلمة وغواية بسحرها المخاتل والمراوغ، فإن الشعر يكتسب ألقا إضافيا ووساما فنيا وجماليا إضافيا عندما تخطه أنامل أنثوية ب نوتات الرقة الزائدة والعاطفة المتضخمة
وتنفتح الجملة الشعرية (المجيدية) على فضاء الصراع الشعري لتثبت ايقاعا شعريا غنائيا متموجا مهم في بناء شعري غنائي يقوم على درامية التموج الايقاعي في حركة الافعال المكونة للصور , بحيث ينتهي جوهر الفعل الشعري لذات الشاعرة الجمعية الى تقنية ايقاعية جديدة وحديثة
فشبكة الضمائر المقترنة بالذات الشاعرة هي تفصح عن حضورها المحتشد والمتراكم لتحقق ضغطا ايقاعيا لافتا وهذا مانجده في هذا النص المتكامل حيث تقول
****************
إنكسارالزمن
الراحل في الذكرى
غدا ثقيلاً
محملاً بالأشياء
الطريق يلفه الضباب
السماءغيم محملة بأمطار السراب
الفصول تمضي تبكيها الرياح
تقاسيم حزن
عزف منفرد على الأوتار
تجذيف--ولامعنى
في بحر--ولاماء
بحث عن الوجود في الوجود
بحث في زمن موغل في الأوهام
*********************
وفي خضم هذه التشابكات الشعرية الايقاعية والدلالية التي حفلت بها القصيدة , تتشكل ما اصطلح على تسميته بالشعرية النثرية الغنائية التي يتضح فيها عنصر الغناء الشعري لتكون شعريتها الخالصة , بكل ما هو متاح من مصادر تمويل شعري وايقاعي ودلالي ورمزي تتفاعل فيما بينها بطريقة هندسية لا تخفى ولعها التشكيلي بالخطوط والالوان والاشارات بحثا عن رؤية شعرية ترتقى الى مستوى الرؤيا
تأتي الجملة الشعرية المتشحة بالزي الفني بعد الصورة الذهنية، وأبرز ما يميزها التكثيف في اللغة، والتسلسل في السرد الشعري وصولاً إلى لحظة الذروة والإدهاش فتكون رسالة الشاعرة ذات سمة انفعالية مولدة للوظيفة الانتباهية لدى المتلقي --الذي يميز نصوص الشاعرة هي عدم القفز على اللغة بقدر ما تمسك المعنى وفق لغة متجاورة في الترابط المعنوي في نسيجها الشعري ، فهي تثري اللغة بتماسك مفرداتها دون أن تشتتها وكذلك تعطيها أبعادها الوجدانية، لأنها تختار المفردات اللغوية التي تلامس حسها الداخلي
***********************
ياأيتها الكلمات
المذبوحة بالصمت
المبتورة
النازفة دماً
حجارة ملتهبة
تقذف بها البراكين
في كل الأركان
سرقوا منك حروفك
وسط الزحمة
جعلوك نسياً منسياً
منعوا الضوء
*************
وعلى الرغم من قصر بعض النصوص لدى (لمياء)، فإنها تحمل الكثير من العمق الدلالي والفني الذي يحتاج لتأويلات متعددة، ولا يحتاج لشروحات سطحية وعليه فإن (لمياء المجيد) شاعرة عربية تكتب من نسيج قلبها ورؤيتها للعالم من خلال روح الذات الشاعرة في نصوصها، فترسم الصورة الشعرية من خلال لغة تتماس مع الهواء اللغوي الذي يمر أمام أعيننا ولا نراه، نشمه ولا نتذوقه. هذه هي شعرية (لمياء المجيد)
وأخيراً فإن الكتابة عن شاعرة لها هذه التقنيات وهذا الطموح الفني لم ولن تكون سهلة بقدر ما لها من بصمات في ساحة الأدب والإبداع الشعري ليس فقط في مدينتها (قليبية) وفي أرجاء تونس الخضراء-بل يتعدى ذلك على مساحات واسعة من وطننا العربي- وإنما تجدر الإشارة إلي أن هذه النصوص بالذات احتكم فيها بالدرجة الأولى عنصر التجميع والترتيب والتجانس فلم تكن مرحلة هذه القصائد مرحلة واحدة ، ولكنها بذكاء كبير أوجدت بينها علاقة تجانس وتوحد في معظم قصائدها
الصفحة الرئيسية
»
» Unlabelled
» الترابط المعنوي والنسيج الشعري
في قصائد الشاعرة لمياء المجيد // بقلم الاستاذ الناقد
أياد النصيري-العراق
الاشتراك في:
تعليقات الرسالة (Atom)
إرسال تعليق
إرسال تعليق