[14] نحو رؤية ضاربة في العمق
صفحة من كتابي: [نظرية النطق]
بقلم: يحيى محمد سمونة
هل تجتمع العلمانية و الدين في النظام الواحد؟!
سبق أن بينت لكم أيها الأحباب أن العلمانية إنما هي فلسفة بشرية ترسم لحركة الإنسان و تضع له حلولا لمشكلات حياته
و أن الدين إنما هو شريعة ربانية ترسم أيضا لحركة الإنسان و تضع حلولا لمشكلات حياته ــ قلت: لينتبه أحدنا إلى تعريف الدين أولا، فالدين إنما سمي دينا لأن الإنسان يدان به و يقاضى بمقتضاه أخذ به أو لم يأخذ، و يشترط عند الأخذ بالدين أن يكون ذلك عن علم و وعي و دراية و تقص للحقيقة، و إلا !! أصبح الدين حجة على المرء لا حجة له، إن هو ـ أي المرء ـ تقاعس عن فهم سوي و سديد و صحيح لنصوص الوحي المطهر، أو إن هو سار خلف كل متشدد، مغال!! أو خلف كل متهاون، متراخ لا يأبه لعاقبة الأمور !! ــ
أيها الأحباب:
لقد بينت لكم فيما سلف الفرق بين نظام ديني و آخر علماني، و قلت بأن مرجعية الأول نصوص وحي مطهر، و أن مرجعية الثاني قوانين و دساتير البشر و أعرافهم و ما تواضعوا على القبول به [ كلمة „ تواضعوا عليه „ تعني اجتماعهم على القبول به]
و بتعبير آخر فإن العلمانية تمثلها القوانين المدنية ذات الطابع الخاص بمدنية و تقانة الإنسان، و مرجعيتها في ذلك تكون حصريا من [معرفة تراكمية] لدى المجتمعات البشرية كافة
بينما الدين تمثله شريعة ربانية، و غايته إسعاد الإنسان حيثما وجد ـ سواء وجد في مجتمع متطور تقانة و مدنية، أو وجد في مجتمع فقير متهالك ـ و مرجعيته ـ أي مرجعية الدين ـ تكون حصريا في [علم إخباري] جاء به نبي مرسل مؤيد بكتاب منزل.
و إذن: العلمانية = معرفة تراكمية
و إذن: الدين = علم إخباري
و عليه: فإن الأنظمة مهما تطورت تقانة و مدنية لا يمكنها الأخذ بالعلمانية فحسب ترسم بها و من خلالها لمستقبل المجتمعات البشرية
و كذلك الأنظمة الدينية مهما ارتقت فإنه لا يمكنها إسعاد الإنسان إلا أن تأخذ و تعمل بالقوانين المدنية إلى جانب أخذها بشريعة الله تعالى
فمسألة اعتماد الأنظمة ـ حال رسمها لمجتمع بشري ـ على علمانية دون دين يعني فشلا و سقوطا و عدم قدرة على التحليق بالمجتمعات ! و كذلك هو حال أنظمة تعتمد على الشريعة الربانية فحسب و هي ترسم لمستقبل الإنسان فإنها لن تستطيع إسعاد الناس!
و على هذا: لابد من اجتماع العلمانية و الدين في النظام الواحد و لكن ضمن شروط
وكتب: يحيى محمد سمونة. حلب
إرسال تعليق
إرسال تعليق