كلام لابد منه
البيان الرقيق في قصيدة (( طوفان الخوف )) للشاعر الكبير (( مهدي سهم الربيبعي ))
بقلم / نبيل طالب علي الشرع / العراق
...................................................................................................
يقول الاستاذ عبد القاهر الجرجاني :
(( انك لا ترى علما ارسخ اصلا وابسق فرعا واحلى جنى واعذب وردا واكرم نتاجا وانور سراجا من
علم البيان الذي لولاه لم تر لسانا يحوك الوشي ويصوغ الحلي ويلفظ الدر وينفث السحر ويقرى ويريك
بدائع من الزهر ويجنيك الحلو اليانع من الثمر )) ..
بين يدي نص علمني ان أستشعر الحياة ((كما هي بعد رحلة (38) عام )) من جديد ترقبته بعينينٍ من
دهشة قرأت (( صمتٌ ضوضائي )) فسألت نفسي كيف استطاع الشاعر ان يمزج شيئين متضادين في
روح واحده على شكل نص متالق ...
انتقلت الى شطر البداية لارى ماذا سيمنحني هذا النثر المتوازي الالفاظ واذا بي اقف اتوشح معرفة
مستنيرة بواقع النفوس وخلجاتها حيث قول الشاعر (( تزاحم مستمر للرغبات ))
هذا الوتر الذي عزف عليه الكبير (( مهدي سهم الربيعي)) صفة الانسانية التي تحكم وجودها من حيث
دواخلها , ثم ينقلك الى خط سير البشرية بقوله (( والاقدار البشرية ))وهنا تنقدح في الذهن تسأولات :
عدة كيف يمكن ان يكون الفرد معزولا عن الغير وهو في نفس الوقت موجود بينهم ؟؟
أي عزلة هذه التي يقصدها الشاعر ؟؟
ماذا وجد الشاعر من اطوار حياته ؟؟؟
اراه يكتب لنفسه منهج متفرد بفطرة لا يشاركه فيها احد لكن في نفـــــــس الوقت يخاطب ويعاتب الغير
(( اعتذروا عن اخباري )) كانه كان ينتظر في خضم عزلته الفطرية ندوة مع النقاء الذي توقف في
سيماء البشر او انهم كانوا يخجلون من انفسهم وهربا من الفشل وحسدا له على تواريه بعيدا عن
ضجيجهم وصخب اطماعهم ..
الخبرة الوجودية التي يرفعها لنا الشاعر هي شعار هذا النص أذ نقرأ للمصلحين والمفكرين لان
نصوصهم موجهة الى جمهور بحسب ما تعلموه وارادوا ان يوصلوه الى المجتمع في هذا المقطع
((اعتذروا عن اخباري)) بالذات يصطف التعليم والتعبير والترويح عن النفس ..
لم اعرف مهدي سهم الربيعي الا قبل اقل من سنة لكن عندما ترى كيف يتعامل معي تتوقع ان معرفتنا
كانت منذ الطفولة كانما قوله (( توقعوا ان اظل مربوطا الى حقولي لعدة اجيال )) هو عينه ما يشرح هذا
النداء الحركي .. ايها الناظر الى ما وراء العلاقات الى ما وراء الشعر اسقطت الاقنعة عن تواشيح غرور
البشر كانه يؤسس لمنهج جميل في تحقيق الذات وهو الاحسان الى الغير من خلال عبور نفسه رغم
شجونها الى مضمار الاخر الذي يحتاج ان يشرب شئ من رحيق الشعور بوجوده .
الانتقاله الاخرى برقة البيان (( التاريخ يمر من فوق الرؤوس مثلما تتغير الفصول )) .
يطرح لنا بعض المفكرين (( قانون ترابط الاجيال )) الشاعر عندما وضع عنوان نصه
(( طوفان الخوف )) لو مزجنا عنوان النص مع المقطع السابق نرى ان العنوان متواطئ مئة بالمئة مع
مفردات هذا المقطع . تغير الفصول شئ بديهي عرفناه حين وجدنا على هذه الارض لكن لماذا الاتيان
بشئ بديهي معروف في صور تحاول فلسفة الحياة بشئ جديد ؟؟ هذا هو النمط الاستباقي في توضيف
الاشياء المعتادة بحلة مغايره لما تعودنا عليه (( مرور التاريخ )).. ((الرؤوس )) التي تعودت ان
تخضع للموروث تغير الفصول الحركة الجوهرية للتاريخ كاني احاور ( صدر المتألهين ) هذه هي
النشوة الفكرية التي تشد المتلقي ان يطير مغردا عمق النظر (( الشجاعة )) كيف نتحكم بالفصول
ونوظف تغيرها لصالح وجودنا ونتحكم بدفة الموارد (( احتقار الموت)) .الايمان بان سنن الوجود ماهي
الا خدمة تقدمها لنا قوانين السماء ..
يعرف بعـــــض العرفاء المــــوت بأنـــــه انتقاله مـــن عالــم الى عالم لآخـــــر بـــدلالة الاية الكــــــــريمة
(( هو الذي خلق الموت والحياة ليبلؤكم )) حسب منطوق الاية الموت اسبق من الحياة هذا معناه ان
الواسطة التي يتقلب بها الانسان في عوالم الوجود منتقلا من حياة الى اخرى هي آلية الموت لهذا اسمع
الشاعر يقول (( احتقروا الموت )) ولا تفتتنوا به . تنتهي هذه الصورة الجبارة لشؤون الكون .
يبدأ الشاعر حوارا جديد يختلف في ابعاده واطواره عن مقدمة النص ليأخذنا الى حيث انتقاد الواقع
بنفس النصيحة وأنماط البديع اذ يقول (( الكتمان الذي لا يلبث أن ينقلب الى شقشقة لسان وتفاخر))
((خطابات سمجة )) لماذا ايها الشاعر رميتنا الى منصة العناء ؟؟ ارى مسلة ابداعك تجبرنا ان نشرع
اقلام الغيب المتلون حتى نستطيع كشف رمزية الفاظك .. الحديث الشريف يقول :
(( ان الرياء في امتي اخفى من دبيب النملة السوداء على الصخرة الصماء في الليلة الظلماء ))
ها انت ايها المهدي تؤطر نصك باصول هذا الحديث اذ (( التفاخر )) .. (( الخطابات السمجة)) واخيرا
(( البصاق في آنية التوبة )) ضياع الاجر بمفهوم اسلامي رغم التعب والجهد لكن يذهب كل شئ هباء
منثورا لمجرد الفكرة بانك قدمت شئ تستحق عليه الجزاء او انك تشيع لناس فضل عملته ..الجمالية
المجزية في هذه المقاطع تظهر من خلال توضيف الواقع لا الخيال ارى ان الشاعر قد كتب نصه بقلم
الواقع ولم يستعمل خياله لهذا جائت مفردات النص فردوسية الوقع لا حالمة اللحن .. لماذا نتوب ولماذا
نمزق توبتنا بافعال الجحود ما الداعي الى ارتكاب الخطايا او مخالفة السنن الكونية هل هو الفشل ام
الرغبة كانما هي عودة الى بداية النص ((تزاحم مستمر للرغبات)) . لهذا (( جميعنا اســــــــفل المثلث ))
متى نكون قمة ؟؟ اليس هناك غاية من الخلق في كل التعاليم سوى كانت الوضعية او الالهية . متى يكون
الانسان قمة كل شئ وليس تحت كل شئ لماذ يقودنا الخوف ولا نقود الخوف ؟؟ في نفس الوقت نحن
اسارى افكار الانا تتشضى فينا دعوى الفرعونية لان التربية الى الان لم تتمكن من قتل تنين النفس هكذا
ارى شروط الشاعر في توزيع نقده الى اختلاف الطبائع الذي يجمعها اصل (( الانا)) .. الامل او الفطرة
الخالية من الشكوى رغبة الانتصار والخروج من قيود الخوف هي شعيرة اخرى من شعائر هذا النص
البديع البيان اذ يقول الشاعر (( حافز غامض غير قابل للتحليل )) كانه الامتداد الغيبي في حياة الناس
الافعال لا الاقوال (( الخروج من نطاق الثرثرة)) توضيف المعطيات والعناصر لخلق مجال ممزوج بفرحة
لكن .(( عتبة النافذة لم تعد مرتع النسائم )) السفر الى الذات شرح ازدواجية الخوف تعبير عن معانات
الوجد والفقد واللقاء والفراق . الخمر الذي لا يذهب بالعقل بأي صيغة جاء المهم ان يمنحنا وجه بسمة
بين اشتعالات الهموم .. اضاع مهدي مدينته .؟؟ كلا هو يحاول ان يبني ساتر بين خوفه وبين نفسه وبين
مدينته أي جسده هو ينحب نحيب الاسود ارى مدونته قد حلقت حيث الحزن المتصل بعزيز فقده . اذ يتحد
معه متوسلا الدم الذي اريق فهو من فقد ومن فقده هو .. (( حيث خياشيمي)) أي جسدي المتحد مع
شهيد كان لي روحا اخرى .. عبر عنه بانه (( وجهي )) ؟؟ .. (( اين هو )) هذا الربط المقنن والانزياح
المتوهج يرشدنا الى انطباع جديد عن النص الا وهو محاولة الفرح لما حصده العزيز المفقود يترنح
الفرح بسبب الوحدة التي جائت على اثر الرحيل (( ملامح الف مرت )) رحلت معه وانا انتظر جديد
الحياة ليعود الخوف سيد الموقف (( تتلوها سنين غامضات )) . المستقبل المجهول .. النبرة الهائمة التي
ترزح تحت نير الجهل بحقيقة وجود النفس . (( من اكون )) ...
لم يفهم الشاعر من رحلة وجوده شئ سوى ارتشافات الحزن والصبر الموجع واخير هلاك ويصبح
ذكرى واسم على لوح في مقبرة .. سنة الحياة العودة الى حيث البداية بصورة مجنونة لا يتخيل المتلقي
ثقل معانيها الا اذا جرب ولو بعض شجون الشاعر (( اصابعي تمشط سفح حصى)) معانات مستمرة
مطر من دموع هذه صورة الحياة يصبح الفرد فيها وسيلة لا غاية وسيلة لغيره تطحنه المصالح الوقتية
متى ما جائت مواسم الاحتفال بقبة الاحلام يصبح الفرد سلعة تباع في اسواق الجهل على يد شرار الخلق
.. التحكم بالغير (( تميل حيثما ينفخون)) مطابقة للاية الكريمة (( كل حزب بما لديهم فرحون)) ....هكذا
جاء انطباعي القاصر لهذا النص الرائع ...ارجوا ان اكون قد وفقت في ترتيب مفردات البيان ..
تم ...
إرسال تعليق
إرسال تعليق